تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الغاشية)

صفحة 66 - الجزء 1

  الذي أوجب لها النعيم الدائم لو {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ١٠} إما من علو المكان، أو علو المقدار {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ١١} أي: لغواً ولا كلام، فاحش، من اللاغية وهي الكلمة القبيحة، لأنهم في الجنة لا يسمعون إلا ما يلذ لهم، ولا يتكلمون إلا بالحكمة، والحمد لله على ما أنعم عليهم {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ١٢} يريد عيوناً كثيرة كقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ}⁣[التكوير: ١٤] أي: نفوس {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ١٣} مرفوعة المقدار أو مرفوعة المكان على أحسن ما يكون ليرى المؤمن ما هو فيه {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ١٤} حاضرة كلما أرادوها وجدوها، أو موضوعة على حافات العيون {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ١٥} وهي المساند مسرودة {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ١٦} بسط عراض فاخرة جميلة {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ١٧} أي: ينظرون نظر اعتبار في خلقها، وكيف تحمل الأثقال إلى البلاد البعيدة، تبرك حتى يحمل عليها من قرب ويسر، ثم تنهض بحملها، فلها أوصاف جليلة، حينما تقوم بالحمل الثقيل، الذي لا تستطيع أي دابة أن تقوم بحملها ومسخرة لكل من قادها مع كبر جسمها، وتصبر على العطش أياماً، لأنها تعبر القفار وجعلها ترعى شجراً ما ترعى غيرها، طويلة الأعناق لأن فيها فائدة، وهو حملها للأثقال، وتقوم به.

  ثم قال تعالى: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ١٨} رفعاً بعيد المدى بلا عمد، ولا غير ممسك السماء بغير عمد جلت قدرته، {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ١٩ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ٢٠}⁣(⁣١) وفي كل ذلك التدبير الإلهي، والقوة ما تعجز عن تفصيل ذلك الأقلام وفي ذلك دليل على التدبير الإلهي، وعلى عظم القدرة، وأن من صنع هذه المخلوقات فحق ألا ينكر منكر على قدرته على البعث {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ٢١} كما قال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}⁣[الشورى: ٤٨]، {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ٢٢} ليس عليك أن تجبرهم ولا أنت بمتسلط عليهم، كقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}⁣[ق: ٤٥] {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ٢٣} لكن من تولى وكفر، فلا بد العذاب الأكبر {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ ٢٤} الذي هو عذاب جهنم، وقيل:


(١) هذا ينافي كونها كرويه لأن الشى إذا عظم يكون فيه إنبساط مع كونه كرويا، تأمل.