تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (البروج)

صفحة 75 - الجزء 1

  فأحرقهم ملكهم، وقيل: غير ذلك، والقرآن يحكي قصة أصحاب الأخدود باختصار، فقيل: إثنا عشر ألف وقيل: سبعون ألف وقيل: إن طول الأخدود أربعون ذراعاً، وعرضه اثنا عشر ذراعاً، عن النبي ÷، أنه كان إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوذ من جهد البلاء، والدعاء «اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء» ثم قال تعالى: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ٥ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ٦ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ٧} فوصفها الله بأنها نار عظيمة بقوله: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ٥ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ٦ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ٧} أَي: شهود قاعدين على حافتها، وهم الذين وكلوا بإحراقهم، وجعلوا شهوداً يشهد بعضهم على بعض يوم القيامه، وقيل: تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم، وقيل: شهود عند الملك، ويشهد بعضهم لبعض أنهم لم يفرطوا في ما أمرهم به {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ٨} أي وما عابوا عليهم، إلا أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد وسينتقم الله منهم حينما نقموا منهم، إلا أنهم علموا الحق حينما آمنوا بالله الموصوف بقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ٩} وفي هذا وعيد لهم، حيث إن الله عالم بما فعلوا وشهيد عليهم: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ١٠} فتنوا بمعنى عذبوا، لأن الفتنة تستعمل بمعنى العذاب، ثم أخبر جل وعلا أن جزاء الذين فتنوا المؤمنين ما ذكره من عذاب جهنم الذي هو العذاب الحريق {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ١١} وهذا تبشير للمؤمنين بما وعدهم الله من النعيم، وتسلية لهم عما يلقون من المحن من الكافرين، وإشارة إلى إن الذين صبروا على إيمانهم حتى حرقوا أن جزاءهم عظيم، وهكذا حال المؤمنين في الدنيا، فيما أبتلاهم الله به، ومكن الظالمين من ظلمهم وآذائهم، فعاقبة الصبر، محمودة، ثم قال تعالى بعد هذا التبشير: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ١٢ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ١٣} فبطش الله عظيم وفيه وعيد مهيب، و مخوف تخويفاً شديداً، لأن بطش الله فوق الوصف وأنه سينتقم بالبطش