تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الانفطار)

صفحة 85 - الجزء 1

  أبيض، وجعلك تمشي قائماً لا كمشي البهائم فوصل أعضاءك مصوراً سوياً {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ٨} لأي صورك في سورة اقتضتها حكمته ومشيئته من الصور المختلفة في الحسن والقبح، والطول والقصر، والذكورة والأنوثة، وبعض التشابه في الأقارب مع التمييز لكل واحد {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ٩} كلا ردع وزجر عن الاغترار بكرم الله تعالى وبيوم الدين، وهو يوم الجزاء أو دين الإسلام، فلا تصدقون ثواباً ولا عقاباً وكلفه {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ١٠ كِرَامًا كَاتِبِينَ ١١ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ١٢} فأخبر وأعلمهم أن عليهم شهودا، حافظين كراماً يكتبون ما عمل الإنسان من خير وشر، فهو حفظهم لما يعملون من الأعمال، وليس لعلمهم نسيان والكتابة، إما حقيقة كما سبق أو مجاز تشبيه الحفظ بالكتابة، وفي الأمرين تعظيم لأمر الجزاء عند الله، حيث وكل بحفظ الأعمال وضبطها، وجعل ذلك إلى ملائكة كرام، وفيه إنذار وتهويل للعصاة، ولطف للمؤمنين. روي عن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال ما أشدها من آية على الغافلين، وفي قوله تعالى {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ١٢} إشارة إلى أن الله اختصهم بقوة عظيمة روحانية، لا كالإنسان الضعيف الجسماني، الذي ركب من طبائع مختلفة والملك مخلوق من طبيعة واحدة، لطبقة، فهو قوي على الحفظ والإدراك، ولا ينسى ما علمه من الإنسان، فسبحان الخالق العظيم القادر القوي القاهر {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣} لفي في جنة، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ١٥ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦} الفجار اسم لكل عاصي لأنه يفجر الحدود، يقطعها فهو في الجحيم مخلد أبداً يدخلها يوم الدين وما هم عنها بمخرجين، لأنه لو خرج لكان غائباً عنها، والله يقول {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦}، قيل: إن الله أخبر أن لابن آدم ثلاث حالات، حال الحياة التي يحفظ فيها عمله، وحال الآخرة التي يجازي فيها عمله، وحال البرزخ وهو ما بينهما، {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ١٦} بمعنى أنه قد حكم عليه أنه لا يغيب عنها {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ١٧} ما أدراك ما يوم الدين، وفي هذا تهويل وتعظيم ليوم الدين، بحيث