تفسير سورة (النازعات)
  أمن تجرأ على الفساد {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ٢٠} قلب العصا حية، وهي أول معجزاته ولها الدور العظيم {فَكَذَّبَ وَعَصَى ٢١} فلم يقبل بل تعدى وعصى بقوله {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ١١٠}[المائدة] فعصى الله تعالى بعد معرفته، وأن الطاعة قد وجبت عليه {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ٢٢} أي: لما رأى العصا انقلبت ثعباناً صار مرهوباً خائفاً، يسعى يمشي بسرعه {فَحَشَرَ فَنَادَى ٢٣ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٢٤} فجمع قومه ونادى فيهم أنا ربكم الأعلى، بعد قوله في المرة الأولى ما علمت لكم من إله غيري {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ٢٥} والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى نكال، ونكال الآخرة، والأولى الإغراق في الدنيا والعذاب في الآخرة. وقال ابن عباس: نكال الكلمة الأولى وهي ما علمت لكم من إله غيري والكلمة الثانية {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ٢٤} وقيل بين الكلمتين: أربعون سنة وقيل عشرون {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ٢٦} صدق الله، إن في ذلك أي في قصة موسى مع فرعون وما كان من وقوع العذاب والإغراق عبرة لمن يخشى الله، ويخاف عذابه، ثم قال تعالى خطاباً لمنكري البعث {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ٢٧ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ٢٨} أنتم أشد خلقاً من الله الذي خلق السماء وبناها، رفع سمكها في العلو مسيرة خمسمائة عام فسواها مستويه ليس فيها عوج ولا فطور {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ٢٩} أغطش ليلها أي: أظلم، وأخرج ضحاها أي: أبرز ضوئها، يعني الشمس بدليل قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ١}[الشمس] والإضافة إلى السماء لأن الليل ظلها والشمس سراجها {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ٣٠}، أي بعد خلق السماء دحا الأرض، بسطها وسواها، ولا مناقضة في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}[البقرة: ٢٩] بعد خلق الأرض، قيل: لأنه خلق الأرض غير مدحوة، ثم خلق السماء وبعد ذلك دحي الأرض {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا} فجر عيونها بقوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ١٢}[القمر] ومرعاها ما ترعاه البهائم من النبات وغير ذلك {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ٣٢} نصب الجبال على طريقة الاشتغال، أي أرسى الجبال أرساها، جعلها راسية مرتفعة واقفة ترسى الأرض كما قال تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ٧}[النبأ] للأرض