تفسير سورة (النازعات)
  أن تميد بكم {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٣} هي علة، لقوله تعالى {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ٣١ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ٣٢ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٣ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ٣٤} أي: القيامة، وهي أعني من أسماء القيامة وهي الداهية الكبرى التي تظلم وتعم وتعلو وتغلب {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ٣٥} يعني يتذكر إذا رأى أعماله مدونة بذكرها، ولو كان قد نسيها لقوله تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}[المجادلة: ٦]، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ٣٦} أي لكل من يرى أي تظهر وتكشف لأهل المحشر كلهم، يريد لكل من له بصر {فَأَمَّا مَنْ طَغَى ٣٧ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ٣٩} أي: من طغى جاوز الحد، لأن طغى معناها مجاوزة الحد وآثر الحياة الدنيا، وترك السعي للآخرة، فإن الجحيم مأواه، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠} أي: ترك اتباع الهوى، بل قيد نفسه ومنعها عن اتباع الهوى، وهذا أمر عسير جداً إلا على من وفقه الله، ودخل الإيمان قلبه والمراد الهوى الذي يدعوك مع النفس والشيطان إلى الاشتغال بالشهوات الخارجية عن مراد الشارع والله الموفق {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١} فهي مصيره. ومأواه، وهذا حال المخلصين مع الله الذين لم تغرهم الحياة الدنيا، بل عرفوا نفوسهم وتخلوا عن الدنيا ومحبتها، وكان عملهم الله خالصاً، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ٤٢} أي: متى وقوعها وهجومها ونزولها، وإيان بمعنى متى أو أيان منتهاها ومستقرها كأن مرسى مستقر السفينة مستقرها حيث تنتهي إليه {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ٤٣}، أي: أي شيء أنت عند ذكرها، أو أي شيء لك من معرفة وقتها، أو في أي شغل أنت من ذكرها والسؤال عنها، والمعنى أنهم يسألونك عنها فأنت حريص على معرفتها {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ٤٥} أي: أنك بعثت لتذكر من يخشاها لا لتعلمهم وقتها {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ٤٦} أي: كأن مدة لبثهم لم يبلغ يوماً واحداً أو ليلة واحدة كقوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} ويوم يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، فويل للذين يزهدون في الحق، ويغفلون عما أراد الله منهم، ومشتغلون بالدنيا، ويحرصون على جمعها، حتى غفلوا عن الله و وعن ذكره، لا قوة إلا بالله.