تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (عم)

صفحة 98 - الجزء 1

  وزور، وسيعلمون ذلك علما لا ريب فيه ولا شك، ثم كرر ذلك الردع مع الوعيد الشديد، لأنهم ماجاؤوا بحق ولا صدق، بل كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ٧} أي: ألم يتفكر في خلق الأرض الذي جعلها لهم مهاداً، يأوون فيها ويسكنون عليها، وسميت مهاداً أي مقراً كمهاد الصبي الذي يوضع فيه الصبي أي: مضطجعا وما ينام فيه فكيف ينكرون البعث مع أنهم يشاهدون هذا الخلق العجيب، والجبال قد جعلها الله أوتاداً للأرض لئلا تميد بكم توقفها عن التزعزع {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ٨ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ٩} أي وكذلك خلقكم أزواجاً أي: ذكراً وأنثى منهما نسل الآدميين، ونومكم سباتاً يسبت فيه الإنسان يسكن من الحركة وهو كالموت، وقد سماه الله موتاً في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}⁣[الزمر: ٤٢] وهو نعمة الله وإحسان، لأن البدن يأخذ راحته من تعبه وأفعاله وإدباره، وراحة البصر، وراحة اليدين والرجلين من الحركة، وراحة النفوس من الهموم والغموم، وإلى غير ذلك {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ١٠ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ١١} سمى الليل لباساً لأن ظلمته تغشيهم وتغطيهم وتسترهم، كما تقول العرب: ألبس الليل الأرض ثوبه وأرخى الليل ستره، وجعل النهار معاشاً مكتسباً لأنه مكتسب يكتسبون فيه المعاش، ويتقلبون في حوائجهم، وجعل النهار معاشاً لأنه سبب ووقت لذلك {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ١٢} يعني السماوات المبنيات أي قوية محكمة الخلق {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ١٣} وذلك الشمس والقمر النيران، السراجان الوهاجان، والسراج هو المنور، والوهاج المتلهب المتوقد {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ١٤} والمعصرات هي السحاب العاصرات لما فيها من الماء وعن الحسن تأويله أن الله ينزل الماء من السماء إلى السحاب، فيحملن الماء إلى حيث أراد الله إنزاله إلى الأرض {ثَجَّاجًا}، أي: قوي السيلان يتجه في الأرض، ثجاً أي: دفعة {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ١٥ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ١٦} يخرج به الحبوب للتكاثر لحصول التكثير، ونباتاً العشب وكل ما تأكله البهائم، وجنات ملتفة بكثر الأشجار المثمرات من الفواكه وغيرها مما