تفسير سورة (عم)
  وزور، وسيعلمون ذلك علما لا ريب فيه ولا شك، ثم كرر ذلك الردع مع الوعيد الشديد، لأنهم ماجاؤوا بحق ولا صدق، بل كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ٧} أي: ألم يتفكر في خلق الأرض الذي جعلها لهم مهاداً، يأوون فيها ويسكنون عليها، وسميت مهاداً أي مقراً كمهاد الصبي الذي يوضع فيه الصبي أي: مضطجعا وما ينام فيه فكيف ينكرون البعث مع أنهم يشاهدون هذا الخلق العجيب، والجبال قد جعلها الله أوتاداً للأرض لئلا تميد بكم توقفها عن التزعزع {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ٨ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ٩} أي وكذلك خلقكم أزواجاً أي: ذكراً وأنثى منهما نسل الآدميين، ونومكم سباتاً يسبت فيه الإنسان يسكن من الحركة وهو كالموت، وقد سماه الله موتاً في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}[الزمر: ٤٢] وهو نعمة الله وإحسان، لأن البدن يأخذ راحته من تعبه وأفعاله وإدباره، وراحة البصر، وراحة اليدين والرجلين من الحركة، وراحة النفوس من الهموم والغموم، وإلى غير ذلك {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ١٠ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ١١} سمى الليل لباساً لأن ظلمته تغشيهم وتغطيهم وتسترهم، كما تقول العرب: ألبس الليل الأرض ثوبه وأرخى الليل ستره، وجعل النهار معاشاً مكتسباً لأنه مكتسب يكتسبون فيه المعاش، ويتقلبون في حوائجهم، وجعل النهار معاشاً لأنه سبب ووقت لذلك {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ١٢} يعني السماوات المبنيات أي قوية محكمة الخلق {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ١٣} وذلك الشمس والقمر النيران، السراجان الوهاجان، والسراج هو المنور، والوهاج المتلهب المتوقد {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ١٤} والمعصرات هي السحاب العاصرات لما فيها من الماء وعن الحسن تأويله أن الله ينزل الماء من السماء إلى السحاب، فيحملن الماء إلى حيث أراد الله إنزاله إلى الأرض {ثَجَّاجًا}، أي: قوي السيلان يتجه في الأرض، ثجاً أي: دفعة {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ١٥ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ١٦} يخرج به الحبوب للتكاثر لحصول التكثير، ونباتاً العشب وكل ما تأكله البهائم، وجنات ملتفة بكثر الأشجار المثمرات من الفواكه وغيرها مما