تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (قريش)

صفحة 25 - الجزء 1

تفسير سورة (قريش)

  

  {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ١} جار ومجرور، ومتعلق بقوله {فَلْيَعْبُدُوا} ومعنى ذلك أن نعم الله لا تحصى ومنها {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ} إلى أخره فلذلك {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ٣} وقيل: متعلق بأخر السورة التي قبلها، {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٥} لإيلا فهم قريش. وفيه معنى التعليل والإيلاف، من الموالفة يقال: ألفته إلفاً وإلافاً، ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين، رحلة الشتاء إلى اليمن، والصيف إلى الشام، فيمتارون ويتجرون وهم في حال الرحلتين آمنين، لأنهم أهل حرم الله، فلا يتعرض لهم بسوء ولا مكروه، احتراماً للبلد الحرام، والناس يتخطفون وينتهبون، وفي هذا تفخيم وتعظيم، وتذكير بعظم النعمة، التي اختص بها أهل الحرم. كما قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} وقال تعالى تذكير لهذه النعمة العظيمة: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} الآية فعقب بذلك في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ٣ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ٤} أي: أطعمهم بسبب الرحلتين، من جوع، وآمنهم من خوف، أن يبغي عليهم، بقطع الطريق أو غيره، فأمرهم سبحانه أن يعبدوه وحده، وأن يشكروه على هذه النعمة التي ذكرها الله تعالى وأعطاهم، ووهب لهم بسبب حرمة هذا البيت. وفيه دليل على أن بيت الله الكريم له جلاله، وموقع عظيم عند الله، فيجب احترامه وإجلاله وتعظيمه بكل أنواع التعظيم وفقنا الله لزيارته مرة بعد مرة، بحوله وطوله، ولا قوة إلا بالله.