في وصف الدنيا
  مما يعانيه الإنسان من بداية أمره، ففي بداية الطفولة لا تجف له دمعة ليلاً ولا نهاراً، وكم يا أمراض من الحمى والحصبة والإسهال والطرش والسقوط على الأرض تارة على وجهه وتارة على قفاه وأخرى على جنبه الأيمن أو الأيسر، وعلى ذلك يستمر الطفل سنين عديدة، ثم يعاني من الاضطهاد ما لا يقدر قدره من قهر الأطفال، ومن الحاجة إلى ما في أيديهم، وعلى ذلك يستمر حتى تتوارد عليه الآمال من كل ناحية فيخرج مما هو فيه من أيام الطفولة إلى ما هو أشد، كالمستجير من الرمضاء إلى النار فتراه يرمي ببصره تارة إلى قريب وأخرى إلى بعيد يفكر فيما في أيدي أقرانه من حطام الدنيا ومتاعها، وسرعان ما ترد عليه عشرات الحسرات فترى الطمع يسارع إلى قلبه كالصفار في الزرع وكالشيب في شعر الرأس، ويزداد الطين بلة إذا جلس عند أصحاب الدنيا وسمع كلامهم في أنواع التجارات ثم يحصل بعد ذلك على بعض المطلوبات في نفسه فلا تنقضي له حاجة إلا وقد جاء الطمع بآخر تتشعب عليه الآراء كمن تطير العصافير من يده إلى كل ناحية يحدث نفسه أحياناً بالزراعة وما أحلاها فما أسعد من صلحت له واتسقت، وأخرى في التجارة وتقلب أهلها وما هم فيه من النعيم فالسعيد عنده من ملكها، ثم يجول بفكره على أصحاب المهن والوظائف فتارة يغبط هذا وأحياناً يحقر هذا، فإذا استتب له ما أراد من أمر دنياه وصار من أهل القبول والحظ العظيم كما زعموا فزعت إليه الشبيك من كل ناحية - أعني: