مقدمة الكتاب
مقدمة الكتاب
  لقد كانت نفسي تنازعني منذ أمدٍ بعيد إلى تعليق يمنُّ الله به يكون دفعاً لما جرى به قلم الفقيه الشوكاني؛ لِما أسمعُ عنه من شدة تحامله على آل بيت النبوة ومن إغماضه جانبهم، وأنه وقف منهم موقف المحارب الشاني، والمتجنيّ الجاني، وأتمنى عليه سبحانه أن يقيّض من يُديلُ(١) لـ (شفاء الأوام) مِن (وبل الغمام)، ثم هو نصرة لكتاب الله وسنة رسول الله ÷ وعِرْض آل بيت رسول الله ÷ ويَرُدُّ رأيَه الأنكد، بالرأي الأسدّ، فأظفرني الله سبحانه بكتاب (وبل الغمام على شفاء الأوام) صدفةً بلا تعمد، وعطيةً بلا مقابل، فجدَّدَتْ نفسي نزاعَها إلى أن أكون ذلك الذابَّ عن تلك الحرمات، والذائدَ عن تلك المقدسات، فأخذت أولَ جزءٍ منه وحينَ وقفتُ على ما مُدِحَ به في المقدمة من اتساع علمه، وترامي حدوده، خَطَرَ على ذهني قوله سبحانه: {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}!، ثم ذكرتُ قول الحق سبحانه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ}، ووجوب ثبات الواحد للمائة، فطفقتُ بعد ذلك أتذوق ما في جوابيه(٢)، وأَرُوزُ(٣) قَوادِمَه وخوافيه، فوقفتُ على أمرين مهمين هما الباعثُ للفقيه على التعليقِ، والسببُ، ولهما سَخَّر نفسَه وجنَّد فكرَهُ وقلمه وفقهَه وبيانَه، أولهما: هَدْمُ ما بَنَوا، وتفريق ما جمعوا، وتقبيح ما استحسنوا، ونَقض ما أبرموا وإنكار ما ادعوا، وإثبات ما أنكروا.
  ثانيهما: صَرْف الناس عن اتّباعهم، وصدهم عن الاقتداء بهم؛ لأنه قد ستر بقبيح اعتراضه مالهم من محاسن، ووصف رحيقَهم العَذْبَ بأنه آسِن، وكنت بادئ ذي بدءٍ أميل إلى الاختصار وأقول: (حسب الحسناء من القلادة ما أحاط بالعنق، وابن السبيل من المال ما بَلَّغَه المحل)، ثم صدفتُ عن هذا صفحاً، وطويتُ عنه كَشْحاً؛ إذ ألفيته قد أدْمَنَ في
(١) يديل لفلان: ينتصف له، ويأخذ له حقه.
(٢) الجوابي: جمع جابية، الجابية: يشبه الدوح مصنوع من الطين أما الزق فمصنوع من الجلد. تمت شيخنا.
(٣) أروز: أختبر ثقله وخفته.