(مناقشة لحديث خير القرون قرني)
  أقول: اعلم أرشدك الله أن قَرْن الرجل هو المساوي له في العمر، وقِرْنه بكسر القاف هو نظيره في الشجاعة والنجدة، والقرن: الأمة المجتمعة في زمن معين في الثمانين أو في المائة ويضاف إلى الرجل كما أضيف في قوله عليه وآله الصلاة والسلام: «خير القرون قرني»؛ لأنه تعايش معهم، ترعرع مع صغيرهم واكتهل مع كهولهم فإذا انتهى القرن الذي عايشهم ونشأ جيل جديد وبقي فيهم فليس منهم وإنما قرنه الذين سلفوه وتخلف عنهم قال الشاعر:
  إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ... وخُلّفت في قرن فأنت غريب
  فالقرن هم الأمة المتعايشون في زمن واحد، متحدي السن أو متقاربيه، ومنه {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين}[المؤمنون: ٣١] {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِين}[المؤمنون: ٤٢] أي جيلاً بعد جيل.
  إذا تقرر هذا فالقرن الذي أضيف إليه سيد الخلق هو الذي بُعِث فيهم ودعاهم إلى الله في مكة المكرمة أو غيرها وفيهم - كما لا يخفى - أبو جهل بن هشام، والمستهزؤون برسول الله، والأبتر (العاص بن وائل السهمي) والد عمرو بن العاص، الذي حارب الإسلام خارج الإسلام أولاً ثم داخله، ومنهم أبو سفيان بن حرب الذي حارب الله ورسوله في كل معركة، ولم يشهد يوم الفتح أن محمداً رسول الله إلا خوفاً من السيف، وقد سمّاه القرآن وحزبَه أولياءَ الشيطان في قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ}[آل عمران: ١٧٥] أي يخوّفكم أولياءه، أي: الشيطان يخوفكم أولياءه المقاتلين في سبيله، وهم أبو سفيان ومن معه {فَلاَ تَخَافُوهُمْ}.
  ومن هذا القرن: هند بنت عتبة قاتلة عم رسول الله ÷، سيد الشهداء، ولاكت كبده، وقد سألها ÷ بعد استسلامها: هل مضغتها؟ قالت: لا، قال: «أبى الله أن يدخل شيء من الحمزة النار».
  ومنهم أبو لهب وحمالة الحطب وعقبة بن أبي معيط، وأولاده الذين آذوا رسول الله