مناقشة لحديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»
  {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}[الجاثية: ١٨] فهو مكلف بالوقوف عندما أمر به، مبلّغ لما نزل عليه غير متكلّف من تلقاء نفسه شيئاً كما قال الحق عنه: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين}[ص: ٨٦] فهو في سلوكه كله منوط بالوحي يتلقى أوامره من ربه كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ٤ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ٥}[النجم] {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل ٤٤ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين ٤٥ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِين ٤٦}[الحاقة] فهذه الآيات ونظائرها كما ترى تحدّ من صلاحيته، وتبين له حدود واجبه كقوله سبحانه: {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ}[الشورى: ٤٨] كما صرح بهذا في عدة آيات، وإذ قد حَدَّ الحق سبحانه من صلاحية رسوله ÷ وأحب خلقه إليه، فهل الحديث ينادي باتّباعهم فيما أثر عن رسول الله وله أصل في الشرع، وإنما قاموا بتفسيره وبيانه؟ فهذا لم يقع، فالخلاف بين الصحابة وبين الخلفاء شائع ذائع، حتى قال عمر: (فهمت امرأة وجهل عمر) (كل الناس أفقه من عمر) (لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبو الحسن)، وكيف يدّعي الشوكاني وأضرابه هذا وهم مخالفون لعلي # في كل مقام، ويردون قول عمر وإجماع الصحابة فيما وضعه على أهل الذمة، وهذا يبين بطلان وجوب اتباع قولهم، وإن كان مرادهم بالحديث: أن للخلفاء أن يُحدثوا وعلى الناس أن يعملوا فكيف يصح أن يخولهم النبي ÷ شيئاً لم يخوّله الله له، ولم يمنحه إياه؟! ثم هل هناك نواقص في الدين وأركانه مات عنها سيد الخلق ولمّا يبلّغها؟! لا يمكن هذا القول مع قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة: ٣].
  ثم إنّا إن أحللنا ما أحلوا وحَرّمنا ما حرَّموا أو أوجبنا ما أوجبوا، ورفعنا الوجوب عما رفعوا فقد عبدناهم من دون الله، واتّخذناهم أرباباً بشهادة قصة عدي بن حاتم |: فقد نزل قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}[التوبة: ٣١] وكان عند رسول الله ÷ فقال: يا رسول الله والله ما عبدناهم؟ قال: «أليس كانوا يحلون الشيء فتحلونه ويحرّمون الشيء فتحرّمونه»؟ قال: بلى، قال: «فتلكم العبادة».
  ثم إن الخلفاء الذين في الحديث: هل كانوا معيّنين عند النبي ÷ وعند أصحابه عند قوله هذا أو غير معيّنين؟ إن كانوا معيّنين فلماذا وقع أمر السقيفة والشورى؟ وإن كانوا غير معيّنين فلماذا سكت الصحابة عن طلب بيانهم: مَنْ هم؟ ولماذا لم يسألوه كما سألوا بقولهم: من قرابتك الذين أوجب الله علينا مودتهم؟