الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الفرق بين الفقير وبين المسكين

صفحة 513 - الجزء 1

  القول الصحيح عندنا؛ لأن الله تعالى قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} فأخبر أنهم مساكين وأن لهم سفينة تساوي جملة، وقال: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ...} الآية [البقرة: ٢٧٣]، فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين.

  قال ابن بري: وإلى هذا القول ذهب علي بن حمزة الأصبهاني اللغوي، ويرى أنه الصواب وما سواه خطأ، واستدل على ذلك بقوله: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة}⁣[البلد: ١٦] فأكد ø سوء حاله بصفة الفقر؛ لأن المتربة الفقر، ولا يؤكد الشيء إلا بما هو أوكد منه واستدل على ذلك بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ....} الآية، فأثبت أن لهم سفينة يعملون عليها في البحر، واستدل أيضاً بقول الراجز:

  هل لك في أجر عظيم تؤجرُهْ ... تُغيث مسكيناً قليلاً عَسْكرُه

  عشر شياة سمعُه وبصرُه ... قد حدَّث النفس بمصر يحضرُه

  وأثبت أن له عشر شياة، وأراد بقوله: (عسكره) غنمه، وأنها قليلة، واستدل أيضاً ببيت الراعي: أما الفقير الذي كانت حلوبتُه ... البيتَ.

  لأنه قال: (أما الفقير الذي كانت حلوبتُه) ولم يقل: (الذي حلوبته) وقال: (فلم يُترك له سَبَدُ) فأعلمك أنه كانت له حلوبة تَقوتُ عيالَه، ومن كانت هذه حاله فليس بفقير وإنما هو مسكين، ثم أخبرك أنها أُخِذَتْ منه فصار إذ ذاك فقيراً، يعني ابنُ حمزة بهذا القول أن الشاعر لم يُثبت أن للفقير حلوبة؛ لأنه قال: (الذي كانت حلوبته) ولم يقل: (الذي حلوبته) اهـ المراد.

  ثم أورد كلاماً مطولاً يؤيد أن الفقير أسوأ حالاً، وأن المسكين أحسن حالاً من الفقير، وأن الفقير ضعف به الحال، أو قيّده الحياء عن السؤال، والمسكين جوَّال سئّال، ويشهد له قول النبي ÷: «ليس المسكين الذي ترده اللَّقْمَة واللَّقْمَتان إنما المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يُفْطَن له فيُعْطَى». اهـ.