الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الفرق بين الفقير وبين المسكين

صفحة 514 - الجزء 1

  ثم أورد⁣(⁣١) كلاماً يدل على أنه لا ملازمة بين المسكنة والفقر فقال: المسكين في اللغة: الخاضع وأصل الفقير المحتاج، ولهذا قال ÷: «اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين» أراد التواضع والإخبات، وألا يكون من الجبارين المتكبرين، أي: خاضعاً لك يا رب ذليلاً غير متكبر، وليس المراد هاهنا بالمسكين الفقير المحتاج، قال محمد بن المكرم: وقد استعاذ سيدنا رسول الله ÷ من الفقير قال: ويمكن أن يكون من هذا قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} فسماهم مساكين لخضوعهم وذلّهم من جَوْر المَلِك الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، وقد يكون المسكين مقلاً ومكثراً؛ إذ الأصل في المسكين أنه من المسكنة. اهـ المراد.

  ومن مادة فقر - لسان العرب - ص ٢٠٦: روي عن الشافعي أنه قال: الفقراء الزَّمنى الضعاف الذين لا تقع حرفتهم من حاجتهم موقعاً، والمساكين السُّؤّال ممن له حرفة تقع موقعاً ولا تغنيه وعياله، قال الأزهري: الفقر أشد حالاً عند الشافعي |، وقال ابن عرفة: الفقير عند العرب المحتاج، قال الله تعالى: {أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ}⁣[فاطر: ١٥] أي المحتاجون إليه، فأما المسكين فالذي قد أذلّه الفقر، فإذا كان هذا إنما مسكنته من جهة الفقر حلت له الصدقة وكان فقيراً مسكيناً، وإذا كان مسكيناً قد أذلّه سوى الفقر فالصدقة لا تحل له؛ إذ كان شائعاً في اللغة أن يقال: «ضُرِب فلانٌ المسكينُ وظُلم فلان المسكين» وهو من أهل الثروة واليسار، وإنما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة، فمن لم تكن مسكنته من جهة الفقر فالصدقة عليه حرام، قال عبد الله محمد بن المكرّم: عَدلُ هذه المِلة الشريفة وإنصافُها وكرمها وألطافها إذ حَرَّمت صدقة المال على مسكين الذلة أباحت له صدقة القدرة فانتقلت الصدقة عليه من مال ذي الغنى إلى نصرة ذي الجاه، فالدين يفرض للمسكين الفقير مالاً على ذوي الغنى وهو زكاة المال، والمروءة تفرض للمسكين الذليل على ذوي القدرة نصرة وهو زكاة الجاه؛ ليتساوى من جمعته أخوّة الإيمان، فيما جعله الله تعالى للأغنياء من تمكين وإمكان، والله سبحانه هو ذو الغنى والقدرة، والمجازي على


(١) صاحب «لسان العرب». تمت شيخنا.