الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب القضاء على من أفطر ناسيا

صفحة 25 - الجزء 2

  عليه نفوذ أحكامهم عند العامة والخاصة؛ لأنها ليست لغرض دنيوي، وإنما ذب عن الدين، وتحذير من ولاية المحادّين.

  فقلتُ: لعل الفقيه يشن حملاته عليهم ليحط من قدرهم، ومن قيمتهم العلمية، وأنهم غير أهل للاستنباط ولا للفتوى، حتى يتوصل سراً من طَرْف خفي إلى زحزحة الذي ناله من عموم مَنْ حكموا عليهم بهذا الحكم من عواقب ونتائج ولاية الظلمة أو الفسقة، وحينما فرغتُ من مراجعة تعليقه وما اكتنفه من حماس، وشدّة باس، وحمية ظاهرة، قلتُ: ليت أن مثل هذه الوثيقة قدمت للمهدي عبد الله قبل قتله للعالم التقي، والبريء النقي، المحقق محمد صالح ابن حريوة السماوي، ذبّاً عن نفس مؤمنة أن تُقتل، وعن حرمة عظيمة عند الله أن تُنْتَهَك، لو قُدّمتْ لَمَا أُخرج السماوي من بيته مقيَّداً، ولما حُمِلت المرابع على ظهره، ولما صاح به أوباش الناس، ولما نُفِيَ إلى كَمَران في حرّ الصيف، ولما ضُرِبَ عنقُه في الحديدة، هذا الموقف كان الأولى بالحماس، وهي كلمة يوجبها الله ورسوله ويحبها، وهي فرض على كل مؤمن لاسيما من له كلمة مسموعة، فليت شعري لِمَ جَعَلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا؟! لاسيما مَنْ كلمتُه مسموعةٌ، ومكانتُهُ مرفوعةٌ، ولكن سكتوا وسكوت السامعين أخو الرضا! وقال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون}⁣[الأعراف: ١٦٥] لم يَنْجُ إلا مَنْ نَهَى فقط.

  ولا شك أن الأشياء بأشباهها ونظائرها تستبين وتظهر على حقيقتها مهما تغلّفت بما ينبو عنها، وتزيّت بغير زيّها؛ لأن الجسم الغريب يبقى غريباً، وبعد أيام ومع البحث والاستقراء يَصْغو الحق إلى الحق، وينساب الباطل إلى الباطل، ولله در ابن أبي طالب #: (اعرف الحق تعرف أهله).

  ولله در المتنبي:

  وقد يتزيّا بالهَوَى غير أهله ... ويستصحب الإنسانُ مَنْ لا يلائمُ

  نعم: شنّع الشوكاني على الإمام، حينما قال الإمام #: أن يقال: إن معنى قوله: «أن يتم صومه» يدل على وجوب القضاء؛ لأن إتمامه لا يكون إلا بأن يقضي؛ لأن مَنْ ترك