الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

صوم الست من شوال

صفحة 82 - الجزء 2

  أقول: لو قال الشوكاني: إن الإفطار يدل على القليل والكثير لكان أمثل وأدنى إلى القبول؛ لأن إفطار الصائم يتناول ذلك كله تناولًا واحدًا؛ والدلالة على ذلك عرفية عامة، يقال: (فَطَّرَ فلان فلانًا إذا أعطاه ما يغير به صومه، ويقال لمن ذهب به على منزله وأطعمه، إلا أن الذي يظهر أن الترغيب وإرصاد الأجر الكبير هو في سد حاجته وإطعامه، وأن المعنى في «فَطَّرَ صائمًا» مثل المعنى في «أطعم مسكينًا» يتناول القليل والكثير، إلا أن المتبادر إشباعه وتمكينه من الطعام.

  وقد فهم هذا السلف؛ إذ كان مؤسرهم يذهب بالرجل والرجلين إلى منزله ليتناول معه العشاء، وهو المفهوم السائد في اللغة العرفية العامة، ويؤيده {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}؛ إذ المراد إشباعهم.

  أما الماء فالظاهر أنه لا يتناوله؛ لأن المراد بقوله: «من فطر صائما ...» إطعامُه!. والماء وإن كان مما يُطْعَم؛ لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} ليس بإطعام؛ لأن {يَطْعَمْهُ} هاهنا من الطَّعْمِ لا من الطعام، والطَّعْمُ أعم من الطعام؛ لأن كل طعام مطعوم، وليس كل مطعوم طعامًا. فمعنى {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ}: فمن لم يذقه، والله أعلم، فإنَّ «ذاق» بمعنى «طَعِمَ» حقيقة، ومن المجاز «ذاق طَعْمَ الإيمان مَنْ رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا» ..