الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

المحصر يلزمه القضاء

صفحة 234 - الجزء 2

المحصَر يلزمه القضاء

  قال الشوكاني: «قوله: والمحصَر يلزمه القضاء ... إلخ. أقول: استدل المصنف على وجوب القضاء بقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ}⁣[البقرة: ١٩٦]، وليس في الآية حجة، بل الظاهر أنها حجة عليه لا له؛ لأن الله قد جعل للمحصر حكمًا يخالف هذا الحكم، فقال بعد قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}⁣[البقرة: ١٩٦]، فكان هذا صريحا في أن حكم المحصر هو ما استيسر من الهدي، وغيره هو المأمور بالتمام، وهذا واضح. وأما حديث: «من كسر أو عرج فقد حلَّ وعليه حجة أخرى» فله شواهد ينتهض معها للاحتجاج، ولكن لا يدل على المطلوب، وهو وجوب القضاء، بل غاية ما فيه أنه يجب على من عرض له عذر منعه من تأدية ما أراد فعله من حج فرض، أو نذر، أو نحوهما أن يأتي به في العام الآخر، وليس ما عرض من العذر موجبًا لسقوط ذلك الحج، ولا سيما ولم يفته هنا شيء يجب استدراكه، بل غاية ما هناك أنه لم يأت بما أراد فعله ... إلخ» اهـ كلامه.

  أقول: البحث مكشوف التناقض بيِّن التدافع، كما هي سنّته في كثير من المواضع، حتى إنه يورد الدليل الذي يوجب إقناعه، ويكف نزاعه، ويحط يَرَاعه، فيعمد إلى تأويل ليس على مثله تعويل؛ فقد أورد الآية المباركة وهي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وقال: «إنها حجة على الإمام لا له» اهـ. ولو شرب جُرعة من الإنصاف لقال: إنها توجب المضيّ فيما دخل فيه، ولو فاسدا، ثم إن عليه قضاء الفاسد، ويؤيد هذا التأويل الحديثُ السليم من القادح، والذي أورده الفقيه وهو قوله ÷: «من كُسِرَ أو عُرِجَ فقد حَلَّ وعليه الحج من قابل»⁣(⁣١).


(١) أخرجه أحمد، والدارمي، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم، والبيهقي، كلهم من حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.