الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الكفاءة في النسب

صفحة 293 - الجزء 2

  النسب، وإنما كرهته لما طبع عليه من: الغدر والخيانة، والمكر والخديعة، والمرأة العربية تأبى هذا، ففركته فركًا شديدًا، وقالت أبياتها المشهورة، وسمَّتْهُ فيها: عِلْجًا:

  لَبيتٌ تَخْفُقُ الأرواحُ فيه ... أحبُّ إليَّ من قَصْرٍ مُنِيف

  ولُبْسُ عباءةٍ وتقَرَّ عيْني ... أحبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفوف

  وشخص مِن بني عمي نحيفٍ ... أحبُّ إليَّ من عِلْجٍ عنيف

  إلى آخر الآبيات.

  وعلى سبيل الاستتباع أذكر قصة حفظتها عن بعض كتب الأدب، وهي:

  أن عبدالرحمن بن الضحاك بن قيس كان واليا على المدينة أيام عبدالملك بن مروان، وكان بنو هاشم مضطهدين، فطلب من فاطمة بنت الحسين أن توافق على زواجه منها، فأبت عليه، ثم هددها بالتنكيل بأكبر أولادها، وهو عبدالله بن الحسن الكامل #، وكان لعبد الملك بريد يأتيه من المدينة كل شهر، فوصل⁣(⁣١) إليها قبل أن يعزم، وقال: ألكِ حاجةٌ إلى أمير المؤمنين؟ قالت: قل له: إن عبدالرحمن الضحاك يؤذيني، ويريد إكراهي على الزواج منه، فعزم البريد واستقبله عبدالملك وهو يسأله عن المدينة وأحوالها، وسَلَّم رسائل الناس، ونسي توصية ابنة الحسين @، حتى إذا هَمَّ بالخروج ذكرها، فقال: يا أمير المؤمنين، وحكى له الشكوى، فتغير وجه عبدالملك، وغضب عليه أن أخَّرَ هذه الشكوى، وكان في يده قضيب جعل يضرب به إحدى يديه، ويقول: من يسمعني صوت ابن الضحاك؟! قالوا: فلان يا أمير المؤمنين، فولاه على المدينة، وقال: غَرِّمِ ابنَ الضحاك أربعين ألفًا واجلده ونكِّلْ به، فبلغ ابنَ الضحاك، فخرج من المدينة مستخفيًا إلى مسلمة بن عبدالملك يستجير به، فعزم مسلمة، وعزم معه ابن الضحاك إلى عبدالملك، فلما سلَّم عليه بالخلافة، قال: جئتك في حاجة، قال: لك ما جئتَ له، إلا أن تكون شفيعًا لابن الضحاك، فأَمَرَ برده إلى المدينة، ولم يَزَلْ به النكالُ، حتى لبس الصوف وافتقر. اهـ.

  وهذه القصة قد أشار إليها في حاشية (ربيع الأبرار) للزمخشري.


(١) أي البريد الأموي.