الكفاءة في النسب
  نعم: غضب عبدالملك؛ لأن الشرف مشترك، ولو مع فارق؛ لأن أمية وهاشمًا أخوان، أما غير المشارك في هذا الشرف الباذخ فلا يبالي، بل يريد أن يحط من قدر الرفيع، ويرفع الوضيع.
  وروى عبدالله بن يحيى الديلمي الشاعر الذماري أن رجلا من بلاد «حمام علي» وضيع النسب وصل «المقادشة» يخطب منهم، وقد لبس القُمُصَ، وحمل الهدايا، فسألت غزال المقدشية الشاعرة المشهورة عن غرضه؟ قالوا: خاطب، قالت: بعد العشاء اخرجوا للبالة - شعر حميني يعبِّر عن رغبة القبيلة - فخرجوا، وأنشدتْ لهم:
  يا ميندي يا مطنفس من عيال الخمسْ ... الجارْ هُوْ جارْ لو يلبس ثلاثهْ قُمُصْ
  إلى آخر أبياتها في ديوانها المطبوع.
  وحدثت لبعض إخواننا بصنعاء قضية أول الثورة: خرج بأهله إلى قرية له فيها بيت، ولما ضمه المقيل مع أهل المحل، قال عريف من عرفائهم: (مَا ذَلْحِينْ عَمِّي محمد عَيزَوِّجْنِي اخته، قدي جمهوريه، ما عد بش: هذا طويل، وهذا قصير) فأجابه وقال: (اشهدوا يا جماعة أني لا أخرج من هذا المقيل إلا وقد عقدتُ له، بشرط أن يزوج هذا خادم القرية، ماتت مرته، ويعقدوا له بأمه، وأنا اعقد له باختي) فغضب غضبًا منكرًا، وتربَّد وجهه، وأطال في النكير والاحتجاج! ثم خيَّمَ الصمت، ثم قال: «أنا دِّي ودِّي» يغريه بمال كثير، قال: «والله لو تدي مال "رجام"، ما اقبل إلا بهذا الشرط، ولا تدي في اختي إلا ما ادَّى اُلمزَيِّن في امك»! اهـ.
  وقد أوسعت الشوط؛ لأن الفقيه يتكلم بحقد وجهل لا لغرض علمي، أو فائدة فقهية، وإنما يشفي غليله من آل بيت رسول الله ÷، وأنى له ذلك؟!
  وذكرت للفرزدق بيتين؛ إذ اشترطَ الكفاءةَ حتى في الهجاء؛ إذ قال:
  أليس حرامًا أن أَسُبَّ مُجاشعًا ... بآبائيَ الغر الكرام الخضارم