(الإخبار بالمضارع لا يفيد الحصر)
  صحيحة، ثم إن هذه الدعوى التي نثلها الفقيه من كنانته لا وجود لها عند أهل المعاني، ونحن بحمد الله من أهل المعاني والبيان والبديع، ولا وجود لها في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ÷، ونسبتها إلى الزمخشري نقول بما قال الزمخشري لمن روى قراءة {وَاغْفِرْ لَنَا} بإدغام الراء في اللام ونسبها إلى أبي عمرو، قال(١): قد أخطأ خطأين: خطأ في السند، وخطأ في نسبتها إلى إمام من أئمة اللغة. اهـ، نعم: الذي في علم المعاني أنَّ تقديم المفعول يفيد الاختصاص نحو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي نخصك بالعبادة ولا نعبد سواك، أما عند النحاة وإمامِهم سيبويه فلا يفيد إلاّ مجرد الاهتمام والعناية قال: يقدمون ماهو عندهم أهمُّ، وهُمْ به أَعْنَى. اهـ، والإخبار عندهم يكون إما فعلاً أو اسماً، فإن كان فعلاً فللدلالة على الحدوث والتجدد وأنشدوا عليه:
  أوَكلما وردتْ عكاظَ قبيلةٌ ... بعثوا إليَّ عريفَهُمْ (يتوسَّمُ)(٢)
  أي: يتعرَّف مرة بعد أخرى، وإن كان اسما فللثبوت، وأنشدوا عليه:
  لا يألف الدرهم المضروب صرتنا ... لكن يمر عليها وهو منطلقُ(٣)
  يعني الانطلاق من الصُّرَّة ثابت للدرهم ودائم.
  وها هو (تلخيص المفتاح) بين يديك مع أحد الشروح أو بدونها، ولفظه بدون شرح: وأما كونه - أي المسند - فعلاً فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة على أخصر وجهٍ مع إفادة التجدد والحدوث. اهـ المراد، ثم أنشد البيت الذي رقمناه وهو: أوكلما ..... إلخ، وأما كونه اسماً فلإفادة عدمهما، أي عدم التقييد المذكور وإفادة التجدد، بل لإفادة الثبوت والدوام، ثم أنشد البيت الثاني الذي رقمناه: لا يألف الدرهم المضروب .... إلخ. اهـ.
(١) أي الزمخشري.
(٢) مثال للفعل المضارع أي يُحْدِث التوسم مرة بعد أخرى، والعريف: رئيس القوم، والتوسُّم: التفرُّس، والغرض والجملة المرادة من هذا البيت هي (يتوسم) والغرض والمعنى المستفاد من ذكرها بالصيغة الفعلية هو إفادة التجدد مرة بعد أخرى أي يصدر عنه تفرّس الوجوه وتأملها شيئاً فشيئاً ولحظة فلحظة.
(٣) الجملة المرادة عند علماء البلاغة من هذا البيت هي جملة (وهو منطلق) والغرض والمعنى المستفاد من ذكرها بالصيغة الاسمية هو تعيين كونها اسماً؛ ليفيد الثبوت وهو هنا يريد أن يثبت صفة الانطلاق للدرهم كما تثبت صفة الطول لزيد من قولنا: (زيد طويل) وهذا غاية في المديح، بخلاف قولنا: (وهو ينطلق) فإنه يفيد أنه يستقرّ شيئاً ثم ينطلق.