الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(الإخبار بالمضارع لا يفيد الحصر)

صفحة 383 - الجزء 2

  فانظر كيف يختلق ما لا أصل له ولا وجود، ولا رسم ولا حدود، ويتعمد الكذب، والكتب بين أيدينا شاهدة، ويدَّعي أن ذلك موجود في كتاب الله، وأن الزمخشري أفاده، كأنه لم يقرأ {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}⁣[النحل: ١٠٥]، وكم في الكذب من آية ومن حديث، ومن الشعر العربي:

  لا يكذب المرء إلاَّ من مهانته ... أو عادة السوء أو من قلة الورع

  وكلام جار الله في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}⁣[البقرة: ١٥] عُدْ إليه⁣(⁣١) تقف على الحقيقة، ولا شك أن كل قول يُسْنَد إلى آخرين وهو عن صحة الإسناد عارٍ، فهو على قائله عار.

  وسأسرد ذلك فيما يلي: مما الخبر فيه مضارع لا يدل على حصر حقيقي ولا إضافي: {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ}، {وَمِنْ هَؤُلاَء مَن يُؤْمِنُ بِهِ}، ثم إن القضية معلومة عند أبسط من يعلم علم البيان حتى من (الجوهر المكنون) أنْ ليس في الإخبار بالمضارع دلالة حصر قط، ولا يقول بها إلاَّ جاهل لا يعرف هذا الفن راجع (المطول) ص ١٤٩، ١٥٠، أو كتاب إمام هذا الفن (عبدالقاهر الجرجاني): (أسرار البلاغة) أو (دلائل الإعجاز)، تجد أن قول الفقيه فرية ليس فيها مرية.


(١) قال الزمخشري في (الكشاف) ج ١ ص ١٠٥ في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ما لفظه: فإن قلت: فهلا قيل: (الله مستهزئ بهم) ليكون طبقاً لقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون} قلت: لأن {يَسْتَهْزِئُ} يفيد حدوث الاستهزاء وتجدده وقتاً بعد وقت. اهـ المراد.