الباب الثالث في ذكر بعض خصائصه وشمائله الخلقية والخلقية
  وكان ÷ لا يجري لسانه إلا فيما يعنيه، يؤلف أصحابه ولا يفرقهم، يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، وإذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا» لا يأخذ بالقرف ولا يقبل قول أحد على أحد، وبمجرد ما يقع بصره على الأعرابي الجلف يؤمن وينطق بالحكمة؛ لأن مشاهدة طلعته الشريفة ÷ تؤثر في القلب نور التصديق وحب الإيمان؛ لأن الله تعالى أعطاه الرفق واللطف بالخلائق على اختلاف طباعها ÷، وكان يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بُشره وخُلُقَهُ، وإذا غضب لم يجترئ عليه أحد إلا علياً رضوان الله تعالى وسلامه عليه، وإذا غضب احمرت وجنتاه، وإذا غضب وهو قائم جلس، وإذا غضب وهو جالس اضطجع فيذهب غضبه، ويكثر الذكر على كل حال، ويكثر القناع، ويكثر دهن رأسه ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد والأمة والعجوز حتى يقضي لهم حوائجهم، وكان يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويُحسن الحسن، ويُقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره.
  وكان ÷ كثير الصدقة، ويحب صدقة التطوع حباً شديداً، وكان يسر بأدائها أشد من سرور الفقير بأخذها، ولا يستكثر ما يصرفه في طريق الحق، ولا يمن به بل يحسبه قليلاً، وما سأله أحد شيئاً حاضراً إلا أجابه ولم يعده، كثيراً أو قليلاً قل أو جل، وكان يعطي عطاء من لا يخاف