في الخشوع والعبادة
  الخشن القليل كان له كالصقال، وإذا أضيف إليه الدسم والزهم والكضة وسددت عليه الحواس أبى أن يعقل ويصقل وبالله يشتغل هيهات ... هيهات، أما سمعت أمير المؤمنين علياً - كرم الله وجهه في الجنة - يقول: العبادة حرفة التها المجاعة. وقال النبي ÷: «لكل شيء باب وباب العبادة الصوم» وقال ÷: «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه» وقال: «ما شبع محمد وآل محمد من طعام حتى لقي الله تعالى» وقال: «إن من كان قبلكم يبعرون بعراً وأنتم تثلطون ثلطاً، فأتبعوا الحجارة الماء» وقال ÷: «الخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك» ونوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله مضاعف، ودعاؤه مستجاب، أما سمعت ما قال العالم للوافد # لما سأله عن الخشوع؟ قال العالم: أكثر من الصيام تَسْلم من الآثام، أقل من الطعام تشتق إلى القيام، وتخشع جوارحك للعزيز العَّلام، من شبع من الطعام غلب عليه المنام، وقعد عن القيام. الشبع يظلم الروح، ويترك القلب مقروحاً، الشابع يفقد الخشوع، ويذهب عنه الخضوع، ويحرص بعد القنوع. الجائع عفيف خفيف، والشابع عاكف على الكنيف الشبع يصيب منه الوجع، ويذهب الورع، ويكثر الطمع، الصوم في الفؤاد نور، وفي المعاد سرور كم طاعة نبغت عن مجاعة، وكم من جوعة أنت بخير بضاعة، يا فلان الجهاد الجهاد، فما سمي المحراب محراباً إلا أنه موضع حرب النفس والشيطان، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩] فالنفس لا تنقاد إلا بالرياضة التامة مع روّاض حذيق، وقال بعضهم: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً، وتشربوا كثيراً، وتحسدوا كثيراً، وقال بعضهم: النفس تطلب يوماً تسهل فيه الطاعة وذلك يوم لم يخلقه الله، وقال بعضهم: ما شبعت يوماً قط إلا عصيت أو هممت، أو تعرف يا فلان كيف