طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية للعائدين إلى الله

صفحة 292 - الجزء 1

  ومن هنا بدأ الشك يتسرب إلى نفوسنا، فلا يعقل أن يكون مثل هؤلاء المؤمنين الذاكرين من الخائنين المتعاملين مع أعداء الله، واتفقت أنا وأخي هذا سراً على أن نتجنب إيذاءهم ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً وأن نقدم لهم كل ما نستطيع من العون. ومن فضل الله علينا أن وجودنا في ذلك السجن لم يستمر طويلاً ... وكان آخر ما كلفنا به من عمل هو حراسة الزنزانة التي أفرد فيها أحدهم، وقد وصفوه لنا بأنه أخطرهم جميعاً أو أنه رأسهم المفكر وقائدهم المدبر، وكان قد بلغ به التعذيب إلى حدٍ لم يعد قادراً معه علي النهوض، فكانوا يحملونه إلى المحكمة العسكرية التي تنظر في قضيته.

  وذات ليلة جاءت الأوامر بإعداده للمشنقة، وأدخلوا عليه أحد الشيوخ! ليذكره ويعظه! وفي ساعة مبكرة من الصباح التالي أخذت أنا وأخي بذراعيه

  نقوده إلى السيارة المغلقة التي سبقنا إليها بعض المحكومين الآخرين ... وخلال لحظات انطلق بنا إلى مكان الإعدام ... ومن خلفنا بعض السيارات العسكرية تحمل الجنود المدججين بالسلاح للحفاظ عليهم.

  وفي مثل لمح البصر أخذ كل جندي مكانه المرسوم محتضناً مسدسه الرشاش، وكان المسؤلون هناك قد هيئوا كل شيء، فأقاموا من المشانق مثل عدد المحكومين، وسيق كل منهم إلى مشنقته المحددة ثم لفّ حبلها حول عنقه وانتصب بجانب كل واحدة -

  العشماوي - الذي ينتظر الإشارة لإزاحة اللوح من تحت قدمي المحكوم ... ووقف تحت كل راية سوداء الجندي المكلف برفعها لحظة التنفيذ.

  كان أهيب ما هنالك تلك الكلمات التي جعل يوجهها كل من هؤلاء المهيئين للموت إلى إخوانه يبشره بالتلاقي في جنة الخلد مع محمد ÷ وأصحابه الأبرار