الملاح القاتل للطفل وأمه
  كان قلب الأم والأب مع ولدهما، ولكن عقليهما كانا بعيدين عنه، فقد كانت لدى الوالدين أسباب كثيرة تحول بين ولدهما والزواج، لعل من تلك الأسباب الفقر، والفاقة، وغياب المال، والفلوس تأتي بالعروس وضيق المسكن، والعروس لا بد لها من غرفة تخلو فيها إلى زوجها، واختلت الأم بولدها تحدثه بالبكاء لا باللسان، ففهم الفتى منطق الدموع والعبرات، ومضى إلى سبيله دون أن يبسط عذره أو يحتج.
  وجاء يوم الخميس من جديد فعاتبته نظراتها عتاباً مراً، فلما عادت من زيارة خالتها قبيل المغرب عاد بها إلى جانب الكرخ ثم تعقبها خلسة إلى دار أهلها، وكانت تلتفت إليه كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً ومع التفاتها ابتسامة مشجعة. ووصلت إلى دار أبيها فدخلته وأوصدت خلفها الباب وحيته قبل أن تتوارى، وتوقعت أن يزور أباها بصحبة أهله، وطال انتظارها لزيارته دون أن يفعل ما توقعته.
  وأصيبت الفتاة بيأس قاتل كما أصيب الفتى، يئست الفتاة من إقدام الفتى على خطبتها فقد طال انتظارها فماذا بعد أن تنتظر؟! ويئس الفتى من الزواج بالفتاة التي أحبها من كل قلبه، فقد وجد أن أهلها على درجة من الغنى والثراء وهو المعدوم الفقير. وطرق باب الفتاة طارق فاستجاب له أهلها وتزوجت.
  وسلا قلب الفتاة بعد زواجها ونسي، ولكن قلب الفتى لم يسل ولم ينس، وانزاح قنوط الفتاة عن نفسها رويداً رويداً وبقي قنوط الفتى في نفسه وأصبح شيئاً بعد شيء حقداً. وعلم الفتى بزواج فتاته فلم تعد ترافق والدتها يوم الخميس من كل أسبوع لزيارة خالتها في جانب الرصافة. ولم يعد الفتى ينتظر الفتاة وأمها