طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية الشعراء وأبو جعفر والأصمعي

صفحة 452 - الجزء 1

  بيت أو بيتين أما القصيدة كلها فكيف يحدث هذا طبعاً يكلم نفسه، فيقول الخليفة: لا وهناك غيري يحفظها أحضروا فلاناً فيحضرون الغلام من خلف الستار من الباب السري، ثم يدخل فيقول المنصور: تعرف قصيدة فلان؟ فيقول: نعم فيقولها. فيقول الشاعر: هه فيشك أنه شاعر، فيقول: لا، وهناك غيري، أحضروا فلانة فتأتي فلانة فيقول لها: تحفظين؟ فتقول: نعم. فإذا قالتها قال الشاعر: أنا لست بشاعر: ويذهب صفر اليدين.

  فاجتمع الشعراء يتشاكون وفي أعماق الحزن يتباكون ويتلاومون فجاءهم الأصمعي وشكوا له حالهم، وأنهم يكتبون القصيدة ثم يكتشفون أن ثلاثة يحفظونها قبلهم. فقال لهم: أين يحدث هذا؟ قالوا عند الخليفة، فعرف أن هناك حيلة. فقال: دعوا الأمر لي. فقام ونظم قصيدة ملونة الموضوعات التقط فيها بعض الكلمات المعقدة، ثم تنكر حتى لا يعرف، ولبس لبس الأعراب وجعل على رأسه جدائل وأوقفها كالقرون، ثم ربطها بعصابة ولبس جلد شاة وجر ناقة خلفه ودخل المجلس حافياً فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له الخليفة: وعليكم السلام، فقال: أنا شاعر من أعراب الموصل، قال: تعرف الشروط؟ قال: نعم، إن كانت من قولي أعطيتني وزن الذي كتبته عليها ذهباً، وإن كانت من منقولي لا تجيزني عليها شيئا، قال: صدقت، فقال:

  صوت صفير البلبل ... هيج قلب الثمل

  الماء والزهر معا ... مع زهر لحظ المقل

  فيقول الخليفة في نفسه: إلى الآن سهلة

  وأنت يا سيدللى ... وسيدى وموللى