طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري والإيمان الذي لا يخاف معه في الله لومة لائم

صفحة 458 - الجزء 1

  ويقتلون ويقتلون القاتل! أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها على الناس؟! فكيف بك يا هارون غدا إذا نادى المنادي من قبل الله: احشروا الظلمة وأعوانهم؟! فتقدمت بين يدي الله ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك، والظالمون حولك وأنت لهم إمام، أو سائق إلى النار، وكأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق، ووردت المساق، وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك، وسيئات غيرك في ميزانك على سيئآتك، بلاء على بلاء، وظلمة فوق ظلمة، فاتق الله يا هارون في رعيتك واحفظ محمداً ÷ في أمته، واعلم أن هذا الأمر لم يصر إليك إلا وهو صائر إلى غيرك، وكذلك الدنيا تفعل بأهلها واحداً بعد واحد، فمنهم من تزود زاداً نفعه، ومنهم من خسر دنياه وآخرته، وإياك ثم إياك أن تكتب إلي بعد هذا فإني لا أجيبك والسلام»، وألقى الكتاب منشوراً من غير طي ولا ختم، فأخذته وأقبلت به إلى سوق الكوفة وقد وقعت الموعظة بقلبي، فناديت: يا أهل الكوفة من يشري رجلاً هرب إلى الله فأقبلوا إلي بالدراهم والدنانير فقلت: لا حاجة لي بالمال ولكن جبة صوف وعباءة قطوانية فأتيت بذلك فنزعت ما كان علي من الثياب التي كنت أجالس بها أمير المؤمنين وأقبلت أقود الفرس الذي كان معي إلى أن أتيت باب الرشيد حافياً راجلاً فهزاً بي من كان على الباب ثم استؤذن لي، فلما رآني على تلك الحالة قام وقعد وجعل يلطم رأسه ووجهه ويدعو بالويل والحرب ويقول: انتفع الرسول وخاب المرسل، مالي وللدنيا والملك يزول عني سريعاً؟! فألقيت الكتاب إليه مثل ما دفع إلي، فأقبل يقرؤه ودموعه تنحدر على وجهه وهو يشهق فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين قد اجترأ عليك سفيان فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد وضيقت عليه السجن فجعلته عبرة لغيره، فقال هارون: اتركوا سفيان وشأنه يا عبيد