طرائف المشتاقين من قصص الأولياء والصالحين،

القاسم بن أحمد المهدي (معاصر)

حكاية العجوز والفتاة

صفحة 86 - الجزء 1

  حليتها، وسال دمها من أوجانها وشفتيها، وصبغت ثيابها بدمائها من وجهها ورقبتها وأذنيها، وهو كذلك فقد ضربته بنعالها وأحذيته، وما تمكنت من قبضه من الأرض حتى شجته في وجهه، ووفقها الله تعالى بضربات متتابعة بكعب قنطرتها على رأسه ووجهه، سقط أرضاً مغمى عليه، فقامت وقد نشف ريقها ودموعها تسيل كالمطر، ودخلت المرحاض وإذا له نافذة، فرجعت وأخذت ما أمكنها من حليتها المتناثرة وستارتها ورأت حبلاً قصيراً في الحجرة، وأخذته وأخذت ثيابه المعلقة في غرفته وأدخلتها المرحاض، وغلقت عليها، وأصلحت من نفسها بستارتها ما يستر التمزق، وأخذت ثيابه وأوصلت بها الحبل وربطتها بالنافذة، وأخرجت الحبال إلى الخارج، وقدمت رجليها وأمسكت بالحبل وكررت قراءة (قل هو الله أحد)، و (رب نجني من القوم الظالمين)، ونزلت من ثلاثة أدوار، ولما وصلت الدور الأول انقطعت الثياب فوقعت على الأرض لم يصبها أذى، وكأنها مولودة من ساعتها أو كأنها في حلم لنجاتها وسلامتها فقد نجت من كلاب الإنس، وبقي الكلاب في الشارع التي أحاطت بها من كل جانب قدرت الوقت أنه نصف الليل، ودعت الله تعالى وأخلصت الدعاء واطمأنت أنها مع الكلاب الحقيقيين ولم تكن مع كلاب بني آدم الذين لم يبق لهم ضمير إلا إشباع نزواتهم وشهواتهم، مشت لا تدري أين تذهب وثيابها وذيولها مقددة، ولكن ستارتها غطت كل شيء، واحتوشتها الكلاب، من كل جانب وكلما ذهبت من شارع دخلت في آخر.

  وهكذا حتى دخلت في زقاق هرباً من الكلاب، ولكن تلقاه مسدوداً وترجع إلى الوراء ثم تدخل في شارع إلى أن سبح المسبح في الجامع الكبير مؤذن بوقت السحر للمتسحرين والصائمين، وأنست بأصوات المذكرين بالأسحار، ولكن