رضاء رب العباد الفاتح لباب كنز الرشاد،

محمد بن مطهر الغشم (المتوفى: 1355 هـ)

فصل

صفحة 436 - الجزء 1

  تركه ولم يزله (فإنه عن قريب تنبت أشجارها وتعود غيظه كما كانت) وهذا مثال جيد مدرك بالعقل والتجربة فإنه مثل الشهوات بالأشجار النابتة في الأرض ومثل النفس بالأرض التي هي الغيطة بأشجارها والتوبة بأصلاح الأرض وقطع الأشجار وازالة ما في الأرض من الخمر وهو ما ينبت في الأرض من ويل وغيره فيفسدها حتى لا يكن فيها زرع فاذا لم يكن للتائب صبر صادق رجع الى الشهوات فتكون التوبة منه كلا توبة.

  (هذا ويستعان على دفع حب الشرف بتحقير النفس وتحقير قدرها) وذلك التحقير يحصل منه (بتذكر كثرة ادناسها وضعفها وفقرها وذلها ومسكنتها وكيف لا وهي في الابتداء نطفة) قذرة تخرج من موضع البول الى موضع الحيض أقذر المستقذرات ثم تصير علقة في الرحم ثم مضغة من اللحم ثم يركب الله عظامه وعروقه ثم ينفخ فيه الروح فيمكث ما شاء ثم ييسر الله له السبيل فيخرج الى الأرض دار البلوى ضعيفاً لا يقدر على شيء حتى لا يستطيع تنزيه نفسه عما يخرج من قذره ونجاساته فييسر الله له من يربيه ويحفظه الله ويغذيه ويرادف عليه نعمة الباطنة والظاهرة حتى يصير مميزاً بما أنعم الله عليه من الجوهر النفيس وهو العقل فيكلفه الله تعالى بنعمة التكليف فاذا قبلها وصل بها الى السعادة الأبدية بنعيم دار الخلود وان رد الالطاف بعدم القبول لنعم الله تعالى من التكليف الذي يستطيعه والتيسير لليسرى وتسهيل السبيل الى كل خير بل أطاع نفسه وشيطانه فقد أتى من جهة نفسه وقد يكون له عقوبات في الدنيا وآيات