البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب (كان) وأخواتها

صفحة 145 - الجزء 1

  فَجَعَلَ (مَوْقِفًا) - وهو نكرة - اسمها، و (الوداع) - وهو معرفة - خبرها. فإن كانا جميعا معرفتين / كنت فيهما مُخَيَّرًا أَيَّهُما شئت جعلته اسم (كان) وجَعَلْتَ الآخرَ الخَبَرَ، تقولُ: كان زيد أخاكَ، وإن شئت: كان أخوك زيدا».

  اعلم أنَّه لما كانت هذه الأفعال تدخُلُ على المبتدأ والخبر جُعل المبتدأ اسمها، والخبر خبرها. وقد مضى أن المبتدأ لا يكون إلا معرفةً، والخبر يجوز أن يكون معرفةً ونكرة؛ لأنَّك تُريدُ أنْ تُخْبرَ عَنْ مُخْتَصُّ فإِذا تَنَكَّرَ المبتدأ لَمْ يَكُن فيه فائدة، فكذلك في (كان) وأخواتها، لو نَكَّرْت الاسم لم تُفد؛ لأنَّك تقصد إلى الإخبارِ بهذه الأفعال⁣(⁣١) عنْ مُعَيَّنٍ مَعْروف، فإذا كان مجهولاً لم تستفد فائدة⁣(⁣٢)؛ لأنَّ حد الإخبار أن تُخْبرَ عمّا يُعْرَفُ⁣(⁣٣) بما لا يُعْرَفُ، إذ كانت الفائدة في الخبر والمبتدأ معروف لا فائدة فيه، ولا يُشبهُ هذا البابُ: ضَرَبَ رَجُلٌ زَيْداً، على أنَّ الفاعل نكرة، والمفعول به معرفةٌ؛ لأنَّكَ أَخْبَرْتَ عَنْ (رَجُل) بالضرب الواقع منه بـ (زيد) ولوْ نَصَبْتَ (رَجُلاً) فَرَفَعْتَ (زَيْداً) لانعكس المعنى، وصار المفعولُ فاعلاً؛ لأنَّهما مختلفان. ولَيْسَ كذلك في باب (كانَ)؛ لأنَّ المبتدأ هو الخبر. وإنما جاز في الشعرِ رَفْعُ النكرة ونصب المعرفة؛ لأنَّهم اضطروا إلى تصحيح الوزن وإقامة القوافي، فأجازوه مع قُبحه. فأما في (غَيْرِ الشَّعْرِ) فلا يجوز ذلك. والذي دعاهم إلى تجويزه تشبيهها بالأفعال التّامَّةِ، نحو (ضَرَبَ) وَ (قتل)، فكما يجوز أن يكون الفاعل نكرة جاز في (كانَ) مع الضرورة.


(١) (بهذه الأفعال): ساقط من (ع).

(٢) انظر ما سلف ص ١٠٥ الحاشية رقم (٣).

(٣) في الأصل (تَعْرِفُ)، وهو تصحيف، والتصويب من (ع).