باب المفعول المطلق وهو المصدر
  قال: «ولا يجوز تقنية المصدر ولا جَمْعُهُ؛ لأنَّهُ اسم الجنس، ويقع بلفظه على القليل والكثير، فجرى لذلك مجرى الزيت والماء والتراب.
  فإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْواعُهُ جَازَتْ(١) تَثْنِيَتُهُ وَجَمْعُهُ، تَقولُ: قُمْتُ قِيامَيْنِ، وقَعَدْتُ قُعودين».
  اعلم أنَّ المصدر لَمّا دَلَّ على قليل الأشياء وعلى كثيرها؛ لأنَّكَ إِذا قُلْت: ضربت ضربا احْتَمَلَ أن تكون ضَرْبةً واحدةً، واحْتَمَلَ أنْ تكونَ أَلْفَ ضربة.
  فلما كان كذلك لم يصح أن يُثنى ويُجمع؛ لأنَّ التثنية والجمع زيادة شيءٍ على شيء، وهذا المعنى موجود في المصدر، فلهذا لم يصح أن يُثَنَّى وَيُجْمَعَ فَإِنْ قَصَدْت به نوعًا يُخالِفُ نوعًا غَيْرَهُ، مثْلُ أنْ يُقالَ: ضَرْبٌ شَدِيدٌ أَوْ خَفيفٌ أَوْ قليل، أو المخالفة بين المصدَرَينِ كـ (علم النَّحْو) و (علم الفقه) جاز أنْ تُثنيه وتَجْمَعَهُ، كما أَنَّكَ إِذا قلت: عندي تُمور جاز لاختلاف أجناسها. فقولنا(٢): «التَّحِيَاتُ اللهِ»(٣) إِنَّما القصدُ - والله أعلمُ اخْتِلافُ أَنْوَاعِها؛ لأنَّ التَّحِيَّةَ هي الملك، ومنه قول الشاعر(٤):
(١) في (ع): (جاز).
(٢) في (ع): (وقولنا).
(٣) «التحيات لله» جزء من حديث التشهد أخرجه البخاري في باب التشهد في الآخرة: ١/ ٢٠٢، وفي باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد: ١/ ٢٠٣، ومسلم في باب التشهد: ١/ ٣٠١، ٣٠٢، ٣٠٤، وابن خزيمة في صحيحه: ١/ ٣٤٨، ٣٤٩، ٣٥٠ في باب التشهد في الركعتين وفي الجلسة الأخيرة. وأبو داود: ١/ ٤٤٩، (المختصر)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (منحة المعبود): ١/ ١٠٢، وأحمد في المسند الحديث رقم (٣٩١٩)، (٣٩٢٠)، (٣٩٢١)، (٣٩٣٥)، (٤٠٠٦)، (٤٠١٧)، (٤٣٨٢ (، (٤٤١٧،) ٤٤٢٢).
(٤) هو عمرو بن معدي كرب.