البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب المفعول به

صفحة 200 - الجزء 1

  وكما لا تقولُ: زَيْدٌ قامَ عَمْرُو. كذلك لا تقولُ: ظَنَنْتُ زَيْدًا قام عمرو حتى تقول: (في داره) أو (عنده) أو نحو ذلك».

  اعلم أن المفعول الثاني في هذا الباب كأخبار المبتدأ كما كان المفعول الأول كالمبتدأ. وقد مضى أنَّ المفعولين كانا في الأصل مبتدأ وخبرا، فَأُدْخِلَتْ هذه الأفعال عليهما، فصارا⁣(⁣١) منصوبين بها. فإذا قُلْتَ ظَنَنْتُ زَيْدًا أبوه منطلق، فأبوهُ منطلق جملة من مبتدأ وخبر، ومحلها النَّصب؛ لأنَّها في موضع المفعول الثاني، وكذلك إِذا قُلْتَ: ظَنَنْتُ زَيْدًا خَرَجَ أَخوهُ، فـ (خَرَجَ أخوه) جملةٌ من فعل وفاعل، محلها النَّصب لوقوعها موقع المفعول الثاني. وكذلك: ظَنَنْتُ زَيْداً خَلْفَكَ، وَعَلِمْتُ مُحَمَّداً في الدّارِ، وأشباه ذلك.

  فإذا وقع الظرف وحرف الجر كان فيهما ضمير يرجع إلى المفعول الأول⁣(⁣٢)؛ لأنه لا بد للمفعول الثاني إذا كان جُملةً أو حرف جر أو ظرفًا من ضمير يُعلق بالأَوَّلِ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هو، وإلا لم يُفِدْ. ولهذا لو قلت: زَيْدٌ خَرَجَ عَمْرُو، لم يصح حتى يرجع منه ضمير إِلى الأَوَّلِ، فتقولُ: (إِليهِ) أو (لأجله) وكذلك المفعول الثاني بهذه المثابة. واعلم أنَّ المفعول الثاني يجوز أن يتقدم على المفعول الأول، فتقول: ظننت منطلقا زيداً، وخلت خارجًا عَمْراً. فإن أوقع ذلك لَبْساً في الكلام لم يجز تقديمه، وذلك إذا كان المفعولان معرفةً، نحو: زيد أخوكَ، وَمُحَمَّدٌ غُلامُكَ، لم يجز أن يتقدَّمَ الثاني على الأوَّل؛ وذلك لأَنَّكَ إِذا قُلْتَ: عَلِمْتُ زيدا أخاك، فالعلم بزيد حاصل والأخوة مشكوك فيها، فلو قدمت لصارت الأخوة متيقنة، والتسمية مشكوكًا فيها وهذا لا يجوز.


(١) في الأصل: (فصار)، وهو وهم، والتصويب من (ع).

(٢) في (ع): (الثاني)، وهو وهم.