باب المفعول به
  وكما لا تقولُ: زَيْدٌ قامَ عَمْرُو. كذلك لا تقولُ: ظَنَنْتُ زَيْدًا قام عمرو حتى تقول: (في داره) أو (عنده) أو نحو ذلك».
  اعلم أن المفعول الثاني في هذا الباب كأخبار المبتدأ كما كان المفعول الأول كالمبتدأ. وقد مضى أنَّ المفعولين كانا في الأصل مبتدأ وخبرا، فَأُدْخِلَتْ هذه الأفعال عليهما، فصارا(١) منصوبين بها. فإذا قُلْتَ ظَنَنْتُ زَيْدًا أبوه منطلق، فأبوهُ منطلق جملة من مبتدأ وخبر، ومحلها النَّصب؛ لأنَّها في موضع المفعول الثاني، وكذلك إِذا قُلْتَ: ظَنَنْتُ زَيْدًا خَرَجَ أَخوهُ، فـ (خَرَجَ أخوه) جملةٌ من فعل وفاعل، محلها النَّصب لوقوعها موقع المفعول الثاني. وكذلك: ظَنَنْتُ زَيْداً خَلْفَكَ، وَعَلِمْتُ مُحَمَّداً في الدّارِ، وأشباه ذلك.
  فإذا وقع الظرف وحرف الجر كان فيهما ضمير يرجع إلى المفعول الأول(٢)؛ لأنه لا بد للمفعول الثاني إذا كان جُملةً أو حرف جر أو ظرفًا من ضمير يُعلق بالأَوَّلِ؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هو، وإلا لم يُفِدْ. ولهذا لو قلت: زَيْدٌ خَرَجَ عَمْرُو، لم يصح حتى يرجع منه ضمير إِلى الأَوَّلِ، فتقولُ: (إِليهِ) أو (لأجله) وكذلك المفعول الثاني بهذه المثابة. واعلم أنَّ المفعول الثاني يجوز أن يتقدم على المفعول الأول، فتقول: ظننت منطلقا زيداً، وخلت خارجًا عَمْراً. فإن أوقع ذلك لَبْساً في الكلام لم يجز تقديمه، وذلك إذا كان المفعولان معرفةً، نحو: زيد أخوكَ، وَمُحَمَّدٌ غُلامُكَ، لم يجز أن يتقدَّمَ الثاني على الأوَّل؛ وذلك لأَنَّكَ إِذا قُلْتَ: عَلِمْتُ زيدا أخاك، فالعلم بزيد حاصل والأخوة مشكوك فيها، فلو قدمت لصارت الأخوة متيقنة، والتسمية مشكوكًا فيها وهذا لا يجوز.
(١) في الأصل: (فصار)، وهو وهم، والتصويب من (ع).
(٢) في (ع): (الثاني)، وهو وهم.