باب حروف الجر
  المبرد)(١): وليس هو عندي كما قال (سيبَوَيْه)؛ لأنَّ قولَهُ(٢): أَخَذْتُ من ماله، إنَّما(٣) جَعَلَ (مالَهُ) ابتداء غاية ما أَخَذَ، وكذلكَ: أَخَذْتُ مِنْهُ درهما، وسَمِعْتُ منه حديثا؛ أي: هو أول الحديث، وأوَّلُ مَخْرَج الدرهم. قال(٤): وقولك: زيد أفضل من عمرو، إنما ابتدأت في إعطائه الفضل من حيث عرفت فضل عمرو، فابتداء تقديمه من. هذا الموضع، فلم يخرج عن(٥) ابتداء الغاية، فتكون عند (أبي العباس) لابتداء الغاية، ودلالتها على التبعيض عنده من حيث ما هي انتهاء. هذا مذهَبُهُ فاعْرِفْهُ.
  وعند (سيبويه) أنّها تكونُ للتَّبعيض في هذا مُجَرَّدَةً عن الابتداء. وتكون (من) أيضًا لتبيين الجنس، نحو قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}(٦) فقوله تعالى: {الرِّجْسَ} يَعُمُّ الأوثان وغيرها، فَلَمّا قال: (مِنَ الأَوْثَانِ) بَيْنَ الجنس المقصود بالاجتناب. وكذلك قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً}(٧)؛ أي: مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ آمَنوا.
  وتَدْخُلُ (مِنْ) مُؤكِّدَةٌ للنَّفْي، نحو قولك: ما جاءَني من أحد. وإِنما حَسُن دخولها؛ لأنَّ الموضع يدلُّ على الجمع؛ لأنَّ (أحدا)(٨) نكرةٌ يَعُمُّ، وكذلك إذا قلت: ما جاءَني مِنْ رَجُلٍ، فَالتَّقْدِيرُ: لَمْ يَأْتِ بَعْضُ الرِّجالِ. وعلى ذلك فَقِس.
(١) انظر المقتضب: ١/ ٤٤، ٤/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٢) في (ع): (قولك).
(٣) في الأصل: (إما) وهو تحريف، والتصويب من (ع).
(٤) انظر المقتضب ١/ ٤٤.
(٥) في (ع): (من عن ابتداء ...) بإقحام (عن).
(٦) الحج: (٣٠).
(٧) الفتح: (٢٩).
(٨) في (ع): (لان من نكرة)، وهو وهم من الناسخ.