البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب / حتى

صفحة 264 - الجزء 1

  معناها الابتداء. فإن قال قائل: فإذا كانَتْ (حَتّى) مُبْتَدَأَةً، فَـ (أما)⁣(⁣١) تُغْنى عنها، وإذا كانت بمعنى الواو فالواوُ تُغني عنها، وإذا كانت غايةً فَـ (إلى) تُغني عَنْهَا، فَمَا الحَاجَةُ إِلَيْها؟

  قيل له: فيها معنى لا يوجد في شيء من هذه الحروف، وهو أن فيها تعظيماً و⁣(⁣٢) تحقيراً، فإذا قُلْتَ: قَدِمَ الحاج حتى المشاة، فهذا تحقير، وإذا قُلْتَ: مات النَّاسُ حَتى الأنبياء، فهذا تعظيم، فلذلك احتاجوا إليها.

  قال: «وتقول - إذا كانت بمعنى (كي): أطع اللَّهَ حَتَّى يُدْخِلَكَ الْجَنَّةَ، معناه: كي يُدْخِلَكَ الجَنَّةَ. وإذا كانت بمعنى (إِلَى أَنْ) قُلْتَ: لَأَنْتَظِرَنَّهُ حَتَّى يقدم، معناه: إلى أنْ يقدم. وتقديرهما⁣(⁣٣) في الإعراب: حَتَّى أَنْ⁣(⁣٤) يُدْخِلَكَ الجَنَّةَ، وحتى أَنْ يَقْدُمَ، إِلا أَنَّهُ لا يجوزُ إِظهار) أَنْ) هاهنا؛ لأَنَّهُ أصل مرفوض».

  اعلم أنَّ (حتّى) الدّاخِلَةَ على الأفعال هي الجارَةُ للأسماء، كما أنَّ اللام الجارَّةُ للأسماء هي الناصبة للأفعال في قولك: جفت لتكرمني.

  ولما كان حرف الجر لا يدْخُلُ على الأفعال قَدَّروا (أَنْ)؛ لتكون هي والفعل بعدها في تأويل مصدر، فيدْخُلُ حرف الجر على المصادر لا على الأفعال.

  ولا يجوز إظهار (أنْ) بَعْدَ (حتّى)؛ لأنَّ (حتّى) نائبة عن (أنْ) في نصب الأفعال، فلو أظهرت (أنْ) لاجتمعَ البَدَلُ والمبدل. وأيْضًا فَإِنَّكَ إِذا أَدْخَلْتَ (حَتَّى)


(١) في (ع): (فلما) وهو تحريف.

(٢) في (ع): (أو).

(٣) في (ع): (وتقدير هذا).

(٤) (أن): ساقطة من (ع).