باب التوكيد
  اعلم أن التأكيد يستوي فيه المفرد، والتَّثْنِيَةُ، والجمع، والتأنيث. فأما المفرد، والجمع، والتأنيث فقد مضى ذكرهُ. وأمّا التَّقْنية فإنَّ (كلا) وَ (كلتا) تأكيد لذلك، وقد مضى أنَّهما لا يُسْتَعْمَلان إِلا مُضافَيْنِ، فإذا أَصَفْتَهُما إلى ظاهر كانا في الأحوال الثلاث في الرفع والنصب والجر بالألف. وإن أضَفْتَهُما إلى المضمر كانتا في النصب والجر بالياء، وفي الرفع بالألف. وإنما كان كذلك؛ لأنهما أشبها (على) وَ (لدى) و (إلى) [و](١) هذه الحروف تكون مع المظهر على كل حال بالألف، فإذا صرت إلى المضمر جعلت مكان الألف في حال النصب والجرياء؛ لان (على) و (إلى) و (لدى) لا يقعن موقع رفع /، فبقي الرفع على ما كان عليه.
  فإن قال قائل: كيف أَجَزْتَ تَشْبيه(٢) الاسم الذي هو معرب في تَغَيرِ آخِرِهِ بالحرف الذي هو (على) و (إلى)، وبالظُّرْفِ الَّذِي هُوَ (لَدى)؟
  فالقول في ذلك: أنَّ (كلا) وإنْ كانَ اسْمًا فالحكم فيه كالحكم في الظُّرْفِ من حيث إِنَّهُ لا يَنْفَكُ من أن يكون مضافًا، وهذا مما يَلْزَمُ الطَّرْف والحروف التي هي كالظروف.
  فإن قال قائل: فكيف صارَتْ أَلفُ (على) و (إلى) و (لدى) مع المظهر على حالة واحدة، وانقلبت مع المضمر في النصب والجر؟
  قيل له: لما كانت هذه الألفات ليست كالألفات في (عصا) وَ (رحى) و (بلي)(٣)، لأنَّ هذه الألفات في تقدير الحركات بكونهن متقلبات عن الياء والواو
(١) زيادة من (ع).
(٢) في الأصل (بتثنية) وهو تحريف، والتصويب من (ع).
(٣) ألف (حبلى) ألف تأنيث وهي في الأصل ياء وجعلت ألفًا لانفتاح ما قبلها. انظر المذكر والمؤنث لابن الأنباري ص ١٧٤ وقول الشارح في ص ٤٠٤ (إِنَّ ألف فعلى لا تكون منقلبة أبدا) لا يتعارض مع ما ذكرناه؛ لأنَّ هذه الألف لا تعود إلى أصلها إذا وصلتها بالضمير نحو (حبلانا وسلوانا ....) وإذا صغرتها حو (حُبَيْلى ...) وهي /لا تقلب ياء إلا إذا انكسر ما قبلها لتصح الكسرة لا للعودة إلى الأصل. فهي ليست کألف (عصا) و (رحي).