البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب العطف وهو النسق

صفحة 299 - الجزء 1

  وبينهما مسافة. قيل له: إنَّما يُريدون أنَّ المطرَ اتَّصَلَ بعضُهُ ببعض حتى عَمَّ هذه الأماكن كلها. وكذلك إذا قلت: سِرْتُ إلى الكوفة فالبصرة، تريد أنَّ السَّيْرَ لمْ يَنْقَطِعْ حَتَّى دَخَلْتَ بِهِ⁣(⁣١) البصرة. والدليل على ما ذكرناه وقوعها في جواب الشرط، نحو قولك: إِن دَخَلْت الدَّارَ فَأَنت طالق، لا خلاف أن الطلاق يقعُ عَقيبَ الدخول بلا مهلة ولا تراخ؛ لأن⁣(⁣٢) الجزاء يجب بالشَّرْطِ، فأما قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}⁣(⁣٣) فإِنْ قال قائل: فكيف يقعُ البأس عَقيبَ الهلاك؟ فالجواب: أنَّ البَأْسَ وإِنْ كان مُؤَخَّراً في اللفظ فهو مقدم في المعنى، كقول القائل: مَنْ يَظْهَرْ مِنْهُ الفِعْلُ المُحْكَمُ فَهُوَ عالِمٌ بِهِ، ومعلوم أنَّ الفعلَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بعد العلم. والله أعلم.

  فأما (ثُمَّ) فإِنَّها تُؤذِنُ بأنَّ الثَّاني بعد الأوَّلِ مع المهلةِ والتَّراخي واحْتَجَّ (أبو حنيفة) في إسقاط وجوب الموالاة في الوضوء بما رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ ]⁣(⁣٤) أنه قال: «لا يَقْبَلُ الله صَلاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطهورَ مَواضِعَهُ، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ⁣(⁣٥). فقال: لما ورد ..


(١) في الأصل و (ع): (دخل)، والصواب ما أثبته.

(٢) في الأصل: (ولان) بإقحام الواو، وفي (ع): (وأن) وهو تحريف.

(٣) الأعراف: (٤).

(٤) زيادة من (ع).

(٥) قال الحافظ ابن حجر: لم أجده بهذا اللفظ، وقد سبق الرافعي إلى ذكره هكذا ابن السمعاني في الاصطلام، وقال النووي: إنه ضعيف غير معروف. وقال الدارمي: ليس بمعروف ولا يصح. «ثم قال: وفي رواية لأبي داود والدارقطني:» «لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين» وهو على هذا فالسياق بـ (ثم) لا أصل له. وقد ذكره ابن حزم في المحلى بلفظ (ثم) وتعقبه ابن مفوز بأنه لا وجود لذلك في الروايات. تلخيص التحبير: ١/ ٥٩.