باب الحال
  فصل: أما ما الحال؟ فهي هيئة الفاعل والمفعول به منتقلاً أو مقدرًا بالمنتقل، كما قال طاهر بن أحمد؛ فالمنتقل مثل قولك: جاءني زيد راكبًا، أي: على حالة الركوب؛ لأنه كان قبلاً غير راكب والمقدّر بالمنتقل مثل قولك: هذا أخوك مسافرًا غدًا إذا كان قد أخذ في هيئة السفر، ومثله: هذا زيد صائدًا غدًا، كأنك تقول: هذا أخوك متأهبًا للسفر، وهذا زيد ناويًا للصيد ومثال الحال من المفعول: عجبتُ من زيد مضروبًا، ومن طعامك مأكولاً. وقد يجيء من الفاعل والمفعول معا، فتقدم حال الفاعل إذا خفت لبسًا، تقول: ضرب زيد عمرًا قائمًا مبطوحًا، فإن أمن اللبس جاز التقديم والتأخير؛ مثل ضرب زيد هندا قائمةً قاعدًا.
  فصل: وأما شرائط الحال فست، وهي: أن تكون نكرةً مشتقة، أو واقعة موقع المشتق يأتي بعد معرفة، أو ما قارب المعرفة، قد تمَّ الكلام قبلها غالبا، يُسأل عنها بكيف، ويُجاب عنها بفي. أما كونها نكرة فلأنها مشبَّهة بالخبر، وأصل الأخبار التنكير، وأشبهته من حيث كانا جميعًا يقعان بعد المعرفة وكانا معتمدين عليها، ومعمولين لعاملها. فالخبر يقع بعد المبتدأ، ويعتمد عليه، ويعمل فيه الابتداء، والحال يقعُ بعد صاحب الحال، ويعتمد عليه ويعمل بها عامله ولذلك شرطنا أن يكون نكرة. فأما قولهم: ادخلوا الأول الأوَّل، ورجع زيد عودة على يديه وما أشبه ذلك، فإنَّها ليست بأحوال وإنَّما هي معمولات لأحوال محذوفات، أو واقعات مواقعها، والتقدير ادخلوا مترتبين الأوَّل فالأوّل، فهو منصوب بمترتبين انتصاب المفعول به، قال النابغة
  بقيَّةُ قِدْرٍ مِنْ قُدُورٍ تُؤرثت ... لآل الجُلاجِ كابرا بعد كابر(١)
  أي: مورثين كابرا. وتقدير المسألة الثانية: رجع زيد عائدا عودةً. فعودة منصوب على المصدر من عائد المحذوف، فتفهم ذلك وأشباهه. وأما كونها مشتقة فلأنها مشبهة بالنعت من حيثُ كانا محتملين الضمير العائد على المنعوت وصاحب
(١) انظر: ديوان النابغة: ص ١٠٣.