كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب التعجب

صفحة 158 - الجزء 1

  معروفًا به ولذلك جاز التعجب به ووجب أن تدخل عليه همزة النقل لتعديه إلى المفعول، لأن المتعدي في هذا الباب يصير لازمًا لا يتعدى إلا بواسطة لأنه لا يتعجب به حتى يُصاغ على فعل كما قدمت لك وفعل لازم أبدا، ووجب أن يمنع التصرف لثلاث علل:

  إحداها أنّه للمدح والذم وهما لا يكونان على مستقبل.

  والثانية: أنَّه قد جُعِلَ نفس المعنى فأشبه الحروف وهي لا تتصرف، ألا ترى أن قولك: ما أحسن زيدًا بخلاف قولك تعجبتُ من حُسن زيد، وقد مضى تلخيص ذلك في باب الأفعال التي تتصرف.

  والعلة الثالثة: أنه بكثرة استعماله قد جَرَى مجرى المثل فلا يجوز تغييره بحال، ووجب أن ينصب به المتعجب منه لأن الفعل إذا عُدِّي، وذُكِرَ معه مفعوله وجب نصبه به، لم يجز إلغاؤه فتقول فيه: ما أحسن زيدًا وما أحسن هذا، وأحسنك وأحسنني، وإن شئت أدغمت فقلت: ما أحسني بنون واحدة مشددة لاجتماع المثلين كما قُرئ: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي}⁣[الكهف: ٩٥]، ولو استفهمت لجئت بنون خفيفة، فقلت: ما أحسني؟ فإن نفيت حذفت النون رأسًا فقلت: ما أحسنت، ولو خاطبت غيرك لكان أحسن بلفظ واحد وجعلت الدليل على اختلاف المعاني اختلاف إعراب الاسم الذي بعد أحسن، فقلت ما أحسن زيدًا، في التعجب، وما أحسن زيد في النفي، وما أحسنُ زيدٍ؟ في الاستفهام، وذكرت لك هذه المسألة وليس من باب التعجب، استدعاء لك إلى معرفة هذا العلم، وتعظيمًا له في عينك لأنه أصل كبير تستند إليه العلوم كلها، وتستمد منه صلاح لفظها ومعناها، فهي محتاجة إليه وهو مستغن عنها، ومن تبحر فيه، ونفذ فكره في معانيه قل خلافه لأهل الحق؛ لأنه يكشف له عن علم موجبات التسامي، ويوضح له غامضات المعاني. والفرق المختلفة لا تتهافت إلا فيها ولا تُؤتى في أديانها إلا من قبل جهلها فافهم ذلك. وهذا شيء عرض ونعود إلى الكلام الأول.

  فصل: وأما الجائز؛ فإنَّه يجوز أن يفصل بين التعجب، وبين الاسم المتعجب