كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب النعت

صفحة 205 - الجزء 1

  وأما الممتنع فتقديم النعت على المنعوت، وامتناعه لعلتين؛ إحداهما: أنَّ الصفة تابعة الموصوف ولا تقدمه فيكون تابعًا لها، وينطلق عليها العامل دونه، والثانية: أنَّ في الصفة ضميرًا يعود على الموصوف، فإذا تقدمت لم يعد الضمير على مذكور، فلو قلت في المعرفة: جاءني الظريف زيد، لم يكن الظريف نعتا لزيد، بل يكون نعتا لاسم محذوف تقديره: جاءني الرجل الظريف زيد، وزيد بدل من الرجل، أو من الظريف لقيامه مقامه، وكذلك لو قلت في النكرة: جاءني رجل، كان التقدير: جاءني شخص مسرع رجل ورجل بدل وليس بمنعوت، قال بعض بني فقعس: (طويل)

  فهلا أعدوني لمثلي تفاقدُوا ... وفي الأرض مبثوث شجاع وعقرب⁣(⁣١)

  أي: عدوّ مبثوث. والأحسن أن ينصب مسرعًا على الحال، لأنه يجوز، ولا يجوز تقديمها على صاحبها إذا كان العامل فعلاً مُتصرفًا أو ما أشبه المتصرف كما قال الشاعر: (طويل)

  وتحت العوالي والقنا مستظلة ... ظباء أعارتها الغيون الجآذر⁣(⁣٢)

  فنصب مستظلة حالاً من ظباء، وقد تقدم ذلك في باب الحال.

  ولا يجوز نعت المعرفة بالنكرة ولا النكرة بالمعرفة، ولا نعت المذكر بالمؤنث، ولا المؤنث بالمذكر ولا نعت المفرد بالتثنية ولا نعتها به، ولا نعت أحدهما بالآخر، لأن النعت والمنعوت بمنزلة الشيء الواحد. ولا يجوز نعت المضمر لأنه لم يضمر حتى عرف، فاستغنى عن النعت لأن معنى النعت: البيان، ولا ينعت به لأنه ليس فيه معنى مدح، ولا ذم ولا يتبع النكرة فيخصصها، ولا يزول به الشك عن المعرفة بل يزيدها لبسًا، وقد قدمنا له عِللاً غير هذه في الباب. وكذلك المبهم لا ينعت إلا بالأجناس لأنَّها تفسير له والتفسير يكون بالجنس خاصة كما


(١) انظر: التنبيه على شرح مشكلات الحماسة: ٨٧.

(٢) البيت لذي الرمة انظر: ديوانه ٣٣٢.