باب البدل
  عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
  فما كان قيس هُلْكُهُ هُلكَ وَاحِدٍ ... ولكنه بُنْيان قَوْمٍ تَهَدَّمَا(١)
  والرابع: بدلُ الغَلط، ولا يكون إلا في المحاورات دون القرآن الكريم. والكلام الفصيح وذلك نحو قولك جاءني زيد عمرو مررتُ بأخيك أبيك كأنك أردت أن تقول: جاءني عمرو ومررتُ بأبيك، ثم غلطتَ على زيد، والأخ فذكرتهما. وأبدلت عمرًا والأب منهما والأجود أن تجيء ببل لأن معناها الإضراب عن الأول والإيجاب الثاني، تقول: جاءني زيد بل عمرو. والعامة تزيد ذلك فسادًا بإدخال همزة بين البدل والمبدل منه فتقول: جاءني زيد أعمرو، وربما قالوا: جاءني زيد أقول عمرو. وليس على هذا شاهد من شعر ولا قرآن. فإن كان بدلاً من المعنى دون اللفظ كان النداء والالتفاتُ والعرب تغشاه ومنهم من يستحسنه قال الهذلي: (طويل)
  حمدتُ إلهي بعد عُروةَ إِذْ نَجَا ... خِراش وبعض الشر أهون من بعض
  ووالله لا أني قتيلاً رزيتهُ ... بِجانب قوسي ما مشيتُ على الأرض(٢)
  ثم قال ملتفتًا لينقض المعنى الأول:
  بَلَى إنَّها تَعْفُو الكُلُومُ وإِنَّمَا ... يُوَكَّلُ بالأدنَى وَإِنْ جَلَّ مَا يَمْضِي
  فانظره يقسم بالله لا ينسي قال بلا ينساه. لأن الكلوم قد تعفو أي تبرأ وقد ينسى الآخر الأول. وقد استحسن يوكل بالأدنى وإن جلَّ ما يمضي، حتى قيل: إنَّه أشعر نصف بيت قالته العرب. ولا يجوز مثل هذا البدل من الله تعالى لأنه بدأ واستحسن ضده وهو قول هشام أخي ذي الرمة: (طويل)
  تعزيتُ عَن أوفَى بِغيلانَ بَعَدَهُ ... عَزَاءً وجفنُ العَيْنِ بالدَّمْعِ مُترَعُ
  فَلَمْ يُنسِ أوفى المصيبات بعده ... ولكن نكأ الفرح بالقَرْحِ أَوْجَعُ(٣)
(١) البيتان نسبهما ابن قتيبة إلى عبدة بن الطيب في الشعر والشعراء: ٢٧٨.
(٢) البيتان لأبي خراش الهذلي، وهو خُويلد بن مرة، انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة: ٦٤٤.
(٣) البيتان نسبتهما إلى مسعود أخي ذي الرمة انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة: ٥٢٨.