باب البدل
  وهذا ينبهك على عظم العربية من حيث كانت العرب تُحسن بألفاظها العذبة وعباراتها الرطبة الشيء وضده فتحسنان جميعًا.
  فصل: وأما ما أحكام البدل؟ فكثير ينقسم على ثلاثة أقسام: واجب، وجائز، وممتنع.
  فالواجب: أن يكون البدل تابعًا للمبدل منه في تسعة أشياء: في رفعه، ونصبه، وجره، وجَزْمِهِ، وتذكيره، وتأنيثه وتوحيده وتثنيته وجمعه، غالبًا مثال ذلك كله: جاءني زيد أخوك، ورأيتُ عمرًا أباك ومررتُ ببكر عمّك. ومن يأتني يقصدني أكرمه. وهذه دعد أختك والهندان أختاك، والفواطم نسوتك. ولا يكون إلا بالجامد خلافًا للنعت.
  وأما الجائز: فبدل المعرفة من المعرفة نحو قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ٤ النَّارِ}[البروج: ٤ - ٥]. وبدل النكرة من النكرة نحو قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ٣١ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ٣٢}[النبأ]، وبدل المعرفة من النكرة نحو قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٢ صِرَاطِ اللَّهِ}[الشورى: ٥٢ - ٥٣]. وبدل النكرة الموصوفة من المعرفة نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ١٦}[العلق]، ويجوز بدل الظاهر من الظاهر نحو ما قدمنا، وبدل المُضمر مِنَ المضمر نحو: رأيته إيَّاه، وبدل المضمر من الظاهر نحو: رأيتُ زيدًا إيَّاه. وبدل الظاهر من المضمر نحو مررتُ بهِ، زيد وأعطيته المسكين درهما. قال الله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}[المائدة: ٧١]، وقال: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}[الأنبياء: ٣]، وقال الفرزدق:
  أقولُ لِعَبْدِ اللَّهُ لَمَا سِقاؤُنَا ... ونحنُ بوادي عَبْدِ شَمسِ وهَاشِمِ