باب شرح المعاني المذكورة
  ذلك إلا البلغاء فمن أحسن ما جاء فيه قولُ عدي بن الرقاع العاملي(١) يصف قرن ولد الظبية دقةً وسوادًا. وشبهه بالقلم في دقته والمداد في السواد: (كامل)
  تُزْجِي أَغَنَّ كَأَنَّ إِبْرَةَ رَوْقِهِ ... قَلَمْ أَصَابَ مَن الدَّواةِ مِدادَهَا
  هذا من التشبيهات العقم التي لم يُسبق أهلها إليها ولا يتبعهم أحد فيها ومثله قول امرئ القيس: (طويل)
  كأن قلوب الطير رطبًا ويابسا ... لدى وكرها العُنّاب والحشفُ البَالِي(٢)
  فشبه قلوب الطير رطبة بالعُناب ويابسة بالحشف البالي وهو رديء التمر.
  ومن التشبيهات العقم قول عنترة بن شداد العبسي يصف ذباب الروض: (كامل)
  وخَلا الذُّبابُ بها فليْسَ بِبَارِح ... هَزِجًا كَفِعْلِ الشَّارِبِ المُترنّم
  ويروي الشاعر: (كامل)
  غردًا يحك ذراعه بذراعه ... قَدْحَ المُكبِ عَلَى الزِّنَادِ الأَجذَمِ(٣)
  والتشبيه بحر واسع لم يخلُ منه شعر قط قديم ولا حديث، ويكفيك منه هذا القدر.
  فصل: وأما الالتفات فهو: أن يأخذ الشاعر في قصة، ثم يقطعها بمعنى يعرضُ له فيلتفتُ إليه فيجيء إليه بكلام تام ثم يعود إلى القصة فيتم كلامه الأول ومنه قول بعضهم: (وافر)
(١) عدي بن الرقاع العاملي: هو عدي بن الرقاع من عاملة، حي من قضاعة وكان ينزل الشام وكانت له بنت تقول الشعر، وكان شاعرًا محسنًا، وهو أحسن من وصف ظبية وصفا، والبيت من قصيدته، انظر: الطرائف الأدبية / ٨٨، انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة: ٢/ ٦١٨، والبيت من البحر الكامل وهو في الشعر والشعراء / ٦١٦ تزجي: تسوق وتدفع برفق. الأغن: من الغزلان الذي في صوته غنة، الروق: القرن. انظر اللسان: ١٩/ ٧٤، وقراضة الذهب في نقد أشعار العرب لابن رشيق تحقيق الشاذلي أبي يحيى / ٧٩، وقال: (حسد جرير عديًا على هذا البيت).
(٢) البيت من الطويل انظر: ديوانه ٣٨، وفي العمدة: ١/ ١٩٧.
(٣) البيت لعنترة وهو من البحر الكامل، وهو في شرح ديوانه: ١٤٥.