باب شرح المعاني المذكورة
  ألا يَا غُرابي بينهم لا تصدعا ... وطيرا جميعًا بالهوى أوقعا معا(١)
  قوله: معا، قافية متمكنة وقعت أحسن موقع، ومثله قول الأعشى: (متقارب)
  وكأس شربت على لذةٍ ... وأخرى تداويت منها بها
  ثم قال بعده: (متقارب)
  ليعلم من لامني أنني ... أتيت المعيشة مِن بَابِهَا(٢)
  ومثله قول الفرزدق: (طويل)
  أرى الليل يجلوهُ النَّهَارُ ولا أرى ... عِظَامَ المَخَازِي عَنْ عطيّة تَنْجَلي(٣)
  فهذه قواف واقعة جَرَّا.
  فصل: وأمّا المُبالغة فهي: أن يذكر الشاعر في شعره حالاً لو وقف عليه أجزأه ذلك، ثُم لا يقتصر عليه حتى يزيد في معنى ما ذكره من تلك الحال ما يكون أبلغ فيما قصده وهو كقول عمر بن الإطنابة: (وافر)
  ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيثُ كَانَا(٤)
  فإكرامهم جارُهم ما دام فيهم خُلقٌ حَسن لو وقف عليه عند هذا المكان لكان مدحًا كافيًا واتباعهم له الكرامة حيثُ كان مُبالغةً. ومثله للحكم الحضرمي في الهجاء يصف رجلاً بالبخل والنهم وقبح المنظر فقال: (طويل)
  وأقبح من قرد وأوغل بالقرى ... مِنَ الكلب يوما وهو غرثان أعجفُ(٥)
  ففي البيت قوله (من الكلب) كفاية في الذم وسخافة في التشبيه وقوله: (وهو
(١) البيت من الطويل، وهو للصمة القشيري انظر: الطرائف الأدبية ٧٨.
(٢) البيتان من المتقارب انظر: ديوان الأعشى الكبير: ١٧٣، وفيه صدر البيت الثاني:
لكي يعلم الناس أني امرؤ
(٣) البيت من الطويل وهو في ديوانه، دار صادر ص ١٧٧.
(٤) عمرو بن الأهتم وهو عمرو بن سنان، سمي ابن سنان بن خالد من بني تميم، سُمي أبوه سنان الأهشم لأن قيس بن عاصم المنقري ضربه بقوس فهشم فمه. وكان شاعرًا شريفا، انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة / ٦٣٢. والبيت من الوافر.
(٥) البيت من الطويل وهو للحكم الحضرمي.