القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[هل الأمر المطلق يدل على الفور]

صفحة 101 - الجزء 1

  فلا يفيد ذلك؛ لأن الكلام فيما إذا كانت الصيغة مجردة.

  (أبو علي وأبو هاشم و الشافعي و قاضي القضاة في أحد قوليه بل) هو مفيد (للتراخي إذ يقتضي الوجوب غير مخصص بوقت دون وقت فلو أراد الحكيم وقتاً بيَّنه) وإلا كان مكلفاً بما لا يعلم، فاقتضى ذلك أنه لم يرد به أول الأوقات، بل في أيها فعل المأمور به فقد امتثل، وذلك ينتهض دليلاً على أنه للتراخي، وهو المطلوب.

  (قلنا:) لا نسلم دلالة ذلك على التراخي، فإنه إنما يفيد إن وضع الأمر لمجرد الطلب فقط من غير إيذان بفورٍ أو تراخٍ، وذلك على مراحل من مطلوبكم، فأنى لكم أنه يفيد التراخي، ولو سلم إفادته لمطلوبكم فمعارض بأنه (لو كان) الأمر (للتراخي لألتحق) الفرض (بالنفل)؛ لأنه حينئذٍ لا يستحق الذم على الإخلال به في كل وقت حتى يهجم عليه الموت (إذ لا وقت أخص من آخر).

  يقال: إنه يستحق الذم إذا أخل به فيه، وهذا حال النفل فترتفع حقيقة الوجوب، وذلك باطل قطعاً واتفاقاً.

  (قلت: و) هذا الجواب الآخر (فيه نظر)؛ لأن لهم أن يفرقوا بأنه لا يسوغ له التراخي مطلقا، بل إلى الوقت الذي يغلب على ظن المكلف أنه لا يعيش بعده، وأنه لو لم يشتغل به فيه لفاته، ثم لابد لذلك الظن من أمارة، وليست إلا كبر السن أو مرضاً شديداً أو نحو ذلك، فإن لم يحصل له هذا الظن فإنه معذور في الإخلال به فلو أخل به، والحال ما ذكر استحق الذم، وليس كذلك النفل فإنه لا يتعين فعله في حال من الأحوال.

  (و) إذ قد تقرر ذلك، فإن (الحق) هو (أن) لفظ (الأمر) إنما (وضع لمجرد الطلب) لحقيقة الفعل فقط، من غير أن يكون فيه إشعار بفور، أو تراخ لا بحسب المادة، ولا بحسب الصيغة، وأيهما حصل كان مجزياً، (و) أن (الفور والتراخي