[شروط النسخ]
  قلنا: لا نسلم التناقض، فإن إيجاب الدوام إنما يناقضه عدم إيجاب الدوام، لا عدم دوام الإيجاب.
  وقال (أبو الحسين: لا) يجوز من الله (نسخ) حكم شرعي كان مقيداً بذلك أو غير مقيد، (إلا مع الإشعار به عند الإبتداء) بالتكليف بذلك المنسوخ، مثل قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ١٥}[النساء]، {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ١}[الطلاق].
  احتج: بأن الظاهر الدوام لاسيما مع التقييد بالتأبيد والخطاب إنما يراد به فهم ظاهره، فلو لم يكن ثَمَ إشعار لكان قد لبس على المكلف، وحمل على اعتقاد دوامه، وهو جهل قبيح، وإنه لا يجوز من الله الإغراء به، فيجب الإشعار.
  (قلنا:) لا نسلم الاحتياج إليه؛ لأن (لفظ الأمر) حيث لا تقييد بذلك (لا يقتضي الدوام لا لغة ولا عرفا) عاماً ولا خاصاً بأهل الشرع، فإذا أعتقد دوامه لغير دليل فقد أتي من جهة نفسه لا من جهته تعالى، فلا يجب الإشعار.
  (و) كذلك (التأبيد) المقيد به (لا يقتضي الدوام على وجه لا) يجوز أن (ينسخ) معه، (بدليل) قوله تعالى في شأن اليهود ({وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}) [البقرة ٩٥]، ثم أخبر أن أهل النار يتمنون الموت حيث قال تعالى: ({وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}) [الزخرف ٧٧]، ولا شك أن الأحب إليهم كلهم الموت في تلك الحال، فلا يقال يبنى العام على الخاص.
  وقد يقال: إنما أراد أن الذين كانوا من اليهود في وقته ÷ لا يتمنون الموت في مستقبل أعمارهم مع رسول الله وهذا في دار الدنيا بدليل ما قبله وهو قوله تعالى: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا}[البقرة: ١١١] فقيل لهم تمنوا الموت وأحبوه؛ لأن من أيقن أنه من أهل الجنة أشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إليها، وما بعده وهو قوله تعالى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ...}[البقرة: ٩٥].