[طرق رواية غير الصحابي]
  وعند (أبو الحسن الكرخي وابن جلاد) أن التأسي به إنما هو في العبادات، و (لا تأسي به في المُبَاحَاتَ)، وذكر بعض المحققين أن القول الثاني هو رأي الكرخي ونسب هذا إلى ابن جلاد وحده، وهو الظاهر.
  (لنا:) أن المعلوم قطعا أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، وذلك يقتضي عملهم بالتشريك عادة.
  ولنا أيضاً (عموم) قوله تعالى: ({لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}) ... الآية [الأحزاب: ٢١]، إذ معناها من كان يؤمن بالله فله فيه أسوة حسنة، فالآية دالة على لزوم التأسي للإيمان، ويلزمه بحكم عكس النقيض لزوم عدم الإيمان لعدم التأسي، وعدم الإيمان حرام، فكذا ملزومه الذي هو عدم التأسي والإيمان واجب، فكذا لازمه الذي هو التأسي، وإلا أرتفع اللزوم، وأيضا فهو مبالغة في التهديد على عدم الأسوة فتكون الأسوة واجبة، ولم يفصل هذا الدليل بين العبادات وغيرها وخروج ما مر لمامر.
  وقد يمنع عموم الآية إذ لم تتضمن شيئا من صيغه المعروفة المحصورة.
  ويمكن أن يجاب بأنه يستفاد من ورودها مورد البعث والإغراء بالمتابعة له فيما يفعله ويتركه فهي بمثابة تأسوا به فيما يأتيه، ولعل ابن جلاد إنما فصل؛ لأن الآية واردة في معرض المدح ولا مدح على المباح.
  والجواب أنه لا مذكور في الآية إلا حسن الأسوة، وقد علمت أن المباح حسن.
  (مسألة: والتأسي هو: إيقاع الشيء بصورة فعل الغير ووجهه إتباعاً له، أو تركه كذلك) والوجه كونه فرضا أو نفلا أو سنة أو مباحا، وقولنا إتباعاً له هو الفصل؛ ليخرج ما إذا اتفقوا على أداء الظهر تعظيمًا لله وامتثالاً لأمره، وكذا قولنا كذلك فيخرج ما إذا اتفقوا على ترك محظور خوفا من الله وامتثالاً لنهيه.
  وفي كتب الأشعرية أنه إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله من أجله بناء على أن