القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الخلاف في جواز نقض العلة مع بقاء ظن العلية على مذاهب]

صفحة 450 - الجزء 1

  الإجماع من أقوى المسالك.

  وأما الثالث: فاعترض بأن العلل العقلية علل بالذات وتستلزم معلولها استلزاما ذاتيا، وما بالذات لا ينفك فيدل الانفكاك على عدم العلية وهذه علل بالوضع فقد لا تستلزم معلولها فلا يصير الانفكاك دليلا على عدم عليتها.

  احتج أهل المذهب الثالث بأن دليل المستنبطة اقتران الحكم بها وقد شهد لها بالاعتبار في غير محل النقض وعليها بالإهدار في محل النقض فتعارضا وتساقطا وبطلت العلية.

  قلنا: لا نسلم أن التخلف دليل الإهدار فإن الحكم في تلك الصورة المخصوصة قد انتفى لمعارض والانتفاء لمعارض لا يبطل شهادة العلة بالحكم ولا يوجب عدم قبولها مطلقا، ألا ترى أن الشهادة إذا عورضت بشهادة فتعارضت البينتان فإنه لا يبطل حكم الشهادة مطلقا بل في محل التعارض فقط.

  واحتج أهل المذهب الرابع: بأنه لو توقف كون المستنبطة أمارة وهو ثبوت الحكم بها في غير صورة التخلف على ثبوت الحكم بها في صورة التخلف لانعكس فيتوقف ثبوته فيها على ثبوته في غيرها ويلزم الدور، أو لم تنعكس ولزم التحكم والترجيح بلا مرجح، ولم يريدوا بالأمارة مجرد الأمارة أعني ما يعرف الحكم ولا يكون باعثا بل ما يفيد ظن الحكم.

  قلنا: إن الدليل إذا دل على علية الوصف فبادىِ الرأي، وأول النظر من غير تتبع الصور والوقوف على التخلف وعدمه يُظِنُّ العلية فإذا أمعن فيما هو شرط العلية من أحد الأمرين.

  إما ثبوت الحكم معه في جميع الصور، أو وجود مانع من ثبوته إذ لو انتفياء فلا علية فإن علم تحققه استمر الظن وإلا زال فاستمرار ظنِّ كونها أمارة يتوقف على أحدهما وهما على ابتداء ظنها فلا دور.