القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الاستحسان]

صفحة 465 - الجزء 1

  (قلنا:) إنها إنما عرفت مع قطع النظر عن الشرع، وقال بها النافي للقياس (لكون القياس فيها جليا)، والجلي لم ينكره أحد؛ لأن الخلاف إنما هو في الخفي، والحق أنه لا محل للنزاع؛ إذ لا نزاع في أنه إلحاق فرع بأصل بجامع، إلا أن الخصم توهم أن محل النزاع كونه قياساً شرعياً فنفى أن يكون كذلك؛ لأن ذلك مِمَّا يعرفه كل من يعرف اللغة من غير افتقار إلى نظر واجتهاد، ولو سلم أن للنزاع محلا وأنه حقيقة فالنزاع لفظي لا معنوي.

[الاستحسان]

  مسألة: قد اختلف في الاستحسان هل يعد من الأدلة أو لا؟

  (و) الذي ذهب إليه الأكثر أن (الاستحسان) دليل (ثابت).

  وهو المختار عندنا وبه قال (أبو عبدالله البصري والكرخي وأنكره الشافعي وبشر المريسي)، حتى قال الشافعي من استحسن فقد شرع، يعني أن من أَثْبَتَ حكما بأنه مستحسن عِنْدَهُ من غير دليل من قبل الشارع فهو الشارع لذلك الحكم؛ لأنه لم يأخذه من الشارع وهو كفر أو كبيرة، والحق أنه لا يتحقق استحسان مختلف فيه؛ لأنهم ذكروا في تفسيره أمورا لا تصلح محلا للخلاف لأن بعضها مقبولة اتفاقا وبعضها مترددة بين ماهو مقبول اتفاقا وبين ما هو مردود اتفاقا.

  فقيل: إنه دليل ينقدح في نفس المجتهد ويعسر عليه التعبير عنه وهذا من المتردد إذ نقول: ما المعني بقوله ينقدح؟ إن كان بمعنى أنه يتحقق ثبوته فيجب عليه العمل به اتفاقا، ولا أثر لعجزه عن التعبير بالنسبة إليه، إذ ليس عليه أن يمكنه الحجاج بل العمل بما علمه بعد توفية الاجتهاد حقه، فأما في مواطن الجدال فهذا غير مقبول منه؛ لأنه لا يدرى بمبلغ نظره ولعله جدال باطل فلا تقوم له به على المناظر حجة، وإن كان بِمَعْنَى أنه شاك فيه فهو مردود اتفاقا؛ إذ لا تثبت الأحكام بمجرد الشك.