القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الرابع: السبر والتقسيم]

صفحة 503 - الجزء 1

  لا على جهة الخصوص، كما يؤذن به كلام المتن والجوهرة، فلو كان مجرد الإجماع على تعليل الحكم مستقلا بإثبات العلية كما نص عليه المصنف في شرحه وغيره من أصحابنا؛ لأستغنى عن ذلك، ولم يحتج إلى تلك المسالك، وهو خلاف المعلوم، وإذ قد عرفت أن الطريق إنما هو السبر والتقسيم، وبهذا يتجه أن يسمى؛ لأن غيره لا مناسب ولا مستقيم، اللهم إلا أن يلمح إلى توقفه على كون الحكم الذي نحن فيه معللا فلتسميته بذلك وجه قويم.

  فالدليل على اعتباره في الشرع وكونه دليلا على العلية وكذا غيره من المناسبة والشبه أنه لابد للحكم من علة لوجهين:

  أحدهما: الإجماع على ذلك فهو دليل، دليل العلية لا دليل العلية.

  وثانيهما: قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ١٠٧}⁣[الأنبياء] فظاهر الآية التعميم فيفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالا لغير الرحمة لأنه تكليف بلا فائدة، فخالف ظاهر العموم، ولو سلمنا انتفاء قولنا لابد للحكم من علة فالتعليل هو الغالب على أحكام الشرع؛ وذلك لأن تعقل المعنى ومعرفة أنه مفض إلى مصلحة أقرب إلى الانقياد من التعبد المحض فيكون أفضى إلى غرض الحكيم وذلك يقتضي حمل الحكم الذي نريد إثبات علة مناسبة له على كونه معللا بمعنى يصلح باعثاً على شرعيته؛ لأن إلحاق المفرد بالأعم الأغلب واختيار الحكيم الإفضاء إلى مقصوده هو الغالب على الظن، ثم إذا ثبت ظهور علية وصف بشيء من المسالك وحصل ظن عليته فيجب اعتبارها والحكم بها للإجماع على وجوب العمل بالظن في علل الأحكام، إلا أن ذلك في المناسبة لا يتوقف على كون الحكم الذي نحن فيه معللا بل مجرد المناسبة كاف في ظن العلية بخلاف مثل السبر وتخريج المناط، ولما علمت