القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الكلام في المسائل الظنية العملية في التصويب]

صفحة 596 - الجزء 1

  وافرة، وعلى كل من القبيلين إشكالات ظاهرة، والخطوات عن ترقي مراحل في أكثرها قاصرة، فلنقتصر عن تطويل المقال، ونشر ما جرى بينهما من الجدال.

  (مسألة:) اختلف في حكم الحاكم إذا وقع في حكم شرعي ظني.


= والدليل على ذلك أن نقول: المسائل التي لا دليل عليها قاطع من الأحكام العملية وغيرها، وعلينا فيها تكليف، لا تخلو إما أن يكون مراد الله تعالى مِنَّا فِيهَا متعيناً في علَّة، أو غير متعين.

إن كان الأول، فلا تخلو إما أن يكون المطلوب منّا في معرفة الوصول إلى العلم اليقين أولى.

الأول: باطل لتضمنه تكليف ما لا يطاق، إذ المفروض أنه لا طريق إليها موصل إلى العلة وإن لم يكن المطلوب مِنّا في معرفتها العلم اليقين، فلا تخلو إما أن تنصب لنا أمارات الظن المتعلق بما أراده مِنّا، أَوْ لا.

إنْ كان فباطل أيضاً؛ لأنه إما أنْ أن لا يكون له منا فيها مراد نحن مكلفون به فهو خلاف الغرض، وإن كان له فيها مرادٌ منا ولا دلالة عليه ولا أمارة، فتكليفنا به بعينه تكليفُ ما لا يطاق، وإن كلفنا فيه أن نعمل بظن أو اعتقاد لا عن دليل ولا عن أمارة فالظن لا عن أمارة متعذر قبيح، والاعتقاد الجازم أيضاً إقدام على ما لا يؤمن كونه جهلاً قبيحاً، والإقدام على ذلك قبيح، والله لا يريد منا قبيحاً.

وإن كان عليه تفيد الظن فقط، فلا يخلو إما أن يريد منا إصابة الظن المطابق لمراده المتعين، أَوْ لا.

إن أراد منا ذلك أدى إلى أحد باطلين؛ لأنه إما أن يريد منا تيقن إصابة الظن المطابق لمراده، لزم أن يكون عليه دليل قاطع، وذلك يستلزم كون ذلك الظن علماً لعلمنا مطابقته لتعلقه، وهذه هي حقيقة العلم.

أَوْ لا يريد منا تيقن إصابة الظن المطابق لمراده، وإنما يريد ظن إصابته فقط، سواء أصبناه أم لم نصبه، لزم منْ ذلك أن يكون مراده منا إنما هو ما أدانا إليه اجتهادنا ولا مراد له منا سوى ذلك؛ لأن إرادة ما سواه إن تعلق بها تكليفنا فهو مالا يطابق، وإن لم يتعلق بها تكليفنا فإرادته عبث، والعبث قبيح، والله لا يفعل القبيح.

وأما إذا لم يكن له مِنَّا في تلك الأحكام التي لا دليل عليها قاطع مراد متعين، فإما أن يكون علينا فيها تكليف أَوْ لا.

إن لم يكن علينا فيه تكليف فلا إشكال هُو خِلافُ الغرض، وإن كان علينا فهو تكليف أراده منا، فإما أن ينصب لنا أمارات أو يأمرنا بالعمل بما أدتنا إليه من الظنون، أولى، إن لم يكن فالتكليف بالعمل بها حينئذٍ تكليف مالا يطاق، وهو قبيح، والله يتعالى عن القبح.

وإن كان الأول فالعامل بما أدى إليه اجتهاده حينئذٍ قد أصاب مراده منه من غير شك، فلزم من ذلك كون كُل مجتهد مصيباً، أي فاعلاً ما أراده الله منه.

وهذا دليل قاطع لا غبار عليه مبني على القول بالعدل والحكمة، ولم يسلكه أحد من المستدلين على إصابة المجتهدين فيما نعلم، وهو واضح المسالك من جهة العقل.