القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[تقليد من ليس بعدل]

صفحة 610 - الجزء 1

  لأن دليليهما إن تعادلا توقف، وإن رجح أحدهما فهو قوله ويتعين.

  ولو قيل متناقضان لكان أسدَّ، فكأنه # آثر التضاد على التناقض، بالنظر إلى الاعتقاد لا إلى ما يدل على الاعتقاد ولا مشاحة.

  وإنما قلنا لعالم؛ لأن كثيرا ما تتناقض أقوال المجتهدين.

  وقلنا: في مسألة لأنه لا تناقض عند تعدد المسائل، وقيدنا بشخص واحد، لأنه لا تناقض في الحل لزيد والحرمة لعمرو، على ما سبق من أنه يجوز لمجتهد أن يفتي بالحل لزيد، والحرمة لعمرو، عند تعادل الأمارتين على القول بالتخيير، لا على القول بالوقف، وأما التقييد بوقت واحد، فلا بد منه للقطع بجواز تغير الاجتهاد، بأن يفتي اليوم بالحل لزيد، وغدا بالحرمة له، والظاهر أن الأخير رجوع عن الأول، أو أوجبه تغير الاجتهاد.

  فإن قيل: أليس من شرط التناقض إتحاد الزمان.

  قلنا: ذاك زمان نسبة القصتين، وهذا وقت القول والتكلم بالقصتين، مثلا لو قلنا اليوم هذا حلال دائما، وغدا ليس بحلال، كان تناقضا فليتأمل، فإن هذا مما قد يقع فيه الغلط، ثم المعتبر في إتحاد الوقت وتعدده، هو العرف، وإلا فزمان التكلم بالإيجاب غير زمان التكلم بالسلب، فلا يتصور قولان في وقت واحد، اللهم إلا أن يصرح بأن فيه قولين.

  فإن قيل: ما معنى جواز المتناقضين في وقتين لا في وقت؟

  قلنا: معناه أن مثل ذلك في وقت يعد لغوا باطلا من الكلام، لا مجرد خطأ في الاجتهاد، بخلافه في وقتين، وكذلك إذا كان القولان في مسألتين إحداهما نظيرة الأخرى، وحكم في إحداهما بالإيجاب وفي الأخرى بالسلب، مع عدم ظهور الفرق لم يصح ذلك إلا في وقتين، وكان القول الثاني رجوعا عن الأول، كما إذا أشتبه طعام طاهر بطعام متنجس فجوز الاجتهاد في أخذ أحدهما، ولم نُجوز ذلك